التفاسير

< >
عرض

أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ
٢١
-الجاثية

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ أَمْ } منقطعة بمعنى بل الانتقالية والانكار أو بمعنى بل الابطالية أبطلت عدم يقين من لم يوقن أي ليس بشيء والانكار أيضاً والمراد بالانكار انكار الحساب.
{ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ } اكتسبوا ومنه الجوارح وفلان جارحة أهلهم كاسبهم* { السَّيِّئَاتِ } الكفر والمعاصي نزلت لان الكفار قالوا لئن كانت آخرة كما تزعمون لنفضلن عليكم فيها كما فضلنا في الدنيا وهذه الآية تتناول بلفظها حال العصاة من أهل التقوى وهو موقف العارفين بكون عنده.
وكان تميم الداري يصلي ذات ليلة عن المقام فبلغ هذه الآية فجعل يرددها ويبكي حتى أصبح. ورددها الربيع بن خيثم ليلة فبكى حتى أصبح. وكذا الفضل ابن عياض وكان الفضل يقول لنفسه ليت شعرى من أي الفريقين أنت وتسمى الآية مبكاة العابدين.
قال بعضهم: ولفظها يعطي اجتراح الشرك بدليل المعادلة بالايمان فيحتمل أن تكون المعادلة بين الاجتراح وعمل الصالحات ويكون الايمان في الفريقين ولهذا بكى الخائفون وهذا هو المذهب*
{ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ } { كَالَّذِينَ } مفعول (ثان) لنجعل و (نجعل) في تأويل مصدر مفعول لحسب ناب مناب مفعولين وهو أول والثاني أي حسبوا جعلهم كالذين الخ يوجد*
{ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ } { سَوَآءٌ } خبر مقدم و (محيا) مبتدأ مؤخر وانما أخبر به عن اثنين المحيا والممات لانه مصدر لكنه بمعنى اسم الفاعل والجملة مفعول ثان بعد مفعول ثان لنجعل كما يتعدد خبر المبتدأ.
وقال الزمخشري: بدل من الكاف لانها تحل محله فهي في حكم المفرد كقولك (ظننت زيداً أبوه قائم) ويجوز كون (محيا وممات) مصدرين ميميين أو اسمي زمان أو اسمي مكان وذلك الاعراب بناء على أن الضميرين للموصول الاول أنكر أن يكون حياة الكفار وموتهم سواء في البهجة والكرامة فانهم أكلوا طيباتهم في الحياة حيث أقاموا على المعاصي والشهوات وانما كرامة الموت للمؤمنين لطاعة الله ويدل لذلك قراءة حمزة والكسائى وحفص بنصب (سواء) على انه من تعدد المفعول الثاني أو حال من ضمير الاستقرار في قوله (كالذين) أو من ضمير الكاف على انها اسم فيه ضمير مستتر كما في قوله مماثل أو مفعول ثان (كالذين) حال من هاء نجعلهم أي (مثل اللذين) الخ في زعمهم أو (كالذين) مفعول ثان (وسواء) بدل من الكاف على انها اسم أو من مقدر منفرد ان جعلت حرفاً (ومحيا) فاعل (سواء) والمصدر برفع الفاعل ولا سيما انه هنا بمعنى (مستو وصفا) والوصف يرفع الفاعل ولو لم يعتمد على الصحيح وان جعلنا (سواء) حالاً أو مفعولاً للجعل وقد اعتمد على صاحب الحال وعلى المبتدأ في الأصل وقرئ بنصب (ممات) فهو (ومحيا) ظرفا زمان أو مكان شذوذاً لانهما ميميان وعاملهما من غير لفظهما ومعناهما أو لا شذوذاً بل مصدران ميميان نابا عن ظرف الزمان وان أرجعنا الضميرين في { محياهم ومماتهم } للموصول الثاني فالحالية منه أو الجملة استئناف لبيان مقتضى الانكار أي (موتهم وحياتهم على الاسلام) وان أرجعناه للثاني أو الأول فبدل أو استئناف لبيان تساوى (محيا) كل صنف (ومماته) في الهدى والضلال كل يموت على ما عاش أو لانكار الاستواء بعد الموت في الكرامة وترك المؤاخذة كما استووا في الرزق والصحة في الحياة قيل: أو حال من ضمير الاول وضمير الثاني وفيه اختلاف عاملين في الحال*
{ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } ما مصدرية أي (ساء الحكم حكمهم) أو (ساء حكماً حكمهم) هذا و (ساء) كـ (بئس) أو اسم أي (ساء الحكم الذي يحكمونه) أو (ساء الذي يحكمونه) أي يثبتونه.
قال مسروق: قال لى رجل مكي هذا مقام أخيك تميم الداري ولقد رأيته قام ذات ليلة حتى أصبح أو قرب أن يصبح يقرأ { أم حسب الذين } الآية يركع بها ويسجد ويبكى