التفاسير

< >
عرض

وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ
٧
-الحجرات

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَاعْلَمُواْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ } فلا تقولوا الباطل فان الله يخبره وقال الحسن انه معكم مرشد فلا تضلون ما قبلتم عنه وقدم خبر { أَنَّ } توبيخا لبعض المؤمنين على تزيينهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم الايقاع ببني المصطلق تصديقا للوليد ومثل هذا قد يصدر من المؤمن وقيل المعنى ان فيكم رسول الله على حال يجب تغييرها وهي ارادتكم ان يتبع رأيكم في الحوادث ولو فعل لوقعتم في المشقة والهلاك كما قال* { لو يطيعكم في كثير من الأمر لعِنتُّم } لوقعتم في المشقة والهلاك دينا ودنيا فهذه الجملة حال من ضمير الاستقرار في خبر { أَنَّ } او من الكاف و (لو) جعلت استئنافا لم يظهر هذا المعنى وهؤلاء اخيار الأئمة لو يطيعهم لعتوا فكيف بغيرهم وقال (يطيع) ولم يقل (أطاع) للدلالة على المستمر تستمر ويدل له لفظ كثير والمعنى ان امتناع (عنتكم) بسبب امتناع استمراره على طاعتكم فان المضارع يفيد الاستمرار ودخول (لو) يفيد امتناع الاستمرار والمعنى ان امتناع عنتكم بسبب استمرار امتناعه عن اطاعتكم لأنه كما ان المضارع المثبت يفيد استمرار الثبوت يجوز ان يفيد المنفي استمرار النفي والداخل عليه (لو) يفيد استمرار الامتناع كما ان الجملة الاسمية المثبتة تفيد تأكيد الثبوت ودوامه والمنفية تفيدنا تأكيد النفي ودوامه لا نفي التأكيد والدوام وفي الآية توبيخ للكذبة واستثنى الذين يمنعهم جدهم في التقوى عن الجسارة على طلب رسوله ان يتبعهم بقوله { وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ } أي (الى بعضكم) واغنت عن ذكر البعض صفتهم المفارقة لصفة غيرهم وهذا ايجاز دقيق وعن بعض انهم الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ولمغايرة الصفتين جاءت { لَكِنَّ } لأنها تخالف ما قبلها نفيا واثباتا وايضا ما قبلها يفيد انه لا عذر لهم وجاءت { لكِنَّ } وما بعدها تبين ان لهم عذرا وهو تحبيب الله لهم الايمان فبالغوا في حبه وزينه لهم وكره لهم الكفر والفسوق والعصيان كما في باقي الآية وحملهم ذلك على الأمر بالايقاع ببني المصطلق لما سمعوا قول الوليد وقد قال صلى الله عليه وسلم لما انزل { { إن جآءكُم فاسقٌ } الخ التثبت من الله والعجلة من الشيطان فيجوز ان يكونوا كلهم مريدين الايقاع لشدتهم في الدين* { وَزَيَّنَهُ } حسَّنه* { فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ } تغطية النعم بالجحود* { وَالْفُسُوقَ } الخروج عن قصد الايمان بركوب الكبائر* { وَالْعِصْيَانَ } اي ترك الانقياد لأمر الشرع قال بعضهم (حبب الايمان) بما وعد من الثواب وكره ذلك بما وعد من العقاب ومن أحب الايمان ازاد في قلبه فيطيع بخلاف محبة شيء فان المحب له قد يسأم منه وعن ابن عباس (الفسوق) (الكذب) والايمان الكامل تصديق واقرار وعمل فكرّه اليكم الكفر في مقابلة (حبب اليكم) الخ و(الفسوق) اي الكذب في مقابلة الاقرار والعصيان في مقابلة العمل وتحبيب الله وتكريهه اللطف والتوفيق ومدحهم لفعلهم واعتقادهم على توفيقه فانه تعالى ذم قوما يحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا واما مدح العرب الرجل بالجمال فبالنظر الى ما يشعر به الجمال غالبا من الاخلاق المحمودة من الجميل وجعله كثير من المعاينين خطأ ورأوا انما المدح على الكسب ويؤيد القول بان طالبي طاعة الرسول لأمرهم هم البعض وان المحبب اليهم الايمان غير ذلك البعض قوله* { أُوْلَئِكَ } المستثنون { هُمُ الرَّاشِدُونَ } المستقيمون على طريق الحق مع تصلب فيه من الرشاد والرشادة وهما الصخرة بخلاف البعض الطالبين المطاعة فانهم لم يحبب اليهم ويكره مثل ذلك التحبيب والتكريه ودرجتهم دون ذلك وعدى (حبب وكره) بالى لتضمنها معنى الايصال وأما (بغض) التشديد فهو في نفسه محتاج في تعديته بالى الى ذلك التأويل فليس كره تعدى بالى تضمينا لمعنى (بغض) كما قال القاضي