التفاسير

< >
عرض

إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ بِإِذْنِيِ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ
١١٠
-المائدة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِى عَلَيْكَ وَعلَى وَالِدَتِكَ }: أى اذكر يا محمد فى الدنيا قول الله جل جلاله لعيسى ابن مريم فى الدنيا يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتى الخ، أو اذ بدل من يوم يجمع الله الرسل فيكون قول الله له: يا عيسى ابن مريم الخ فى الآخرة، ولكن لتحقيق وقوعه يوم القيامة كان اللفظ باذ الموضوعة للزمان الماضى كأنه وقع ومضى، وقيل: استعمل اذ وقال للاستقبال، ولا يصح تعليق اذ بأجبتم كما قيل، وصح تعلقه بيقول على أن المعنى المراد لعيسى اذكر نعمتى، انما هو فى الآخرة، والمراد بقول الله للرسل { ماذا أجبتم } وبقوله لعيسى هذا فى الآخرة توبيخ أممهم بتفريط المفرط منهم كالمكذبين لهم، وغلو من غلا كقول النصارى: عيسى اله أو ابن الله، وقيل: المراد اسماع الله عز وجل الأمم بما أكرم الله عيسى عليه السلام به.
{ إِذ أَيَّدتُّكَ }: قويتك وداود بالأيد، فالأيد قوة، واذ بدل من اذ التى قبلها أو تعلق بنعمتى بمعنى انعامى، ولكونه بمعنى انعامى تعليق به أيضا عليك، ويجوز تعليق اذ بمحذوف حال من نعمتى، وقرىء أيدتك بزيادة همزة التعدية، فالثلاثى أيد أيداً بمعنى قوى قوة، وأيدتك بالتشديد معدى به، وأيدتك بهمزة وألف معدى بالهمزة أى قويتك تقوية.
{ بِرُوحِ القُدُسِ }: بجبريل، وتقدم الكلام عليه فى سورة البقرة، ويؤيد تفسيره بالكلام الذى يحيى به الدين النفس حياة أبدية وتطهر من الآثام بقوله:
{ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِى المَهْدِ }: فان ظاهره أنه بيان لتأييده بروح القدس، وفى المهد حال من ضمير تكلم، والمهد القماط.
{ وَكَهْلاً }: معطوف على الحال، أى ثابتاً فى المهد، وكهلا أى مجاوزاً للثلاثين، ووخطه الشيب، وتقدم الكلام فى ذلك، والمعنى أنه يكلم الناس فى المهد وكهلا بالحق والعلم والحكمة على حد سواء، فعقله كمل من الطفولية، وفيه دليل قيل على أنه سينزل من السماء لأنه رفع وهو دون الكهل، فيعيش فيكون كهلا، وليس كذلك، بل رفع وهو كهل ابن ثلاثين سنة، ومكث فى رسالته ثلاثين شهراً، وتقدم فى سورة آل عمران تفسير قوله تعالى:
{ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَالتَّورَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيرِ بِإِذنِى فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونَ طَيْراً بِإِذنِى وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذنِى وإِذ تُخْرِجُ المَوْتَى بِإِذنِى }: ذلك قراءة نافع ويعقوب، وقرأ غيرهما فتكون طيراً.
{ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِى إِسْرَائِيلَ عَنْكَ }: يعنى اليهود حين هموا بقتله.
{ إِذْ جِئْتَهُم }: متعلق بكففت لأنهم قصدوا قتله حين جاءهم بالبينات، فحين اذ كفهم عنه.
{ بِالبَيِّنَاتِ }: المراد جنس البينات، وقيل: ما ذكر فى الآية من المعجزات فتكون للعهد الذكرى.
{ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا }: أى ما الذى جئت به.
{ إِلا سِحْرٌ مُّبِينٌ }: وقرأ حمزة والكسائى الا ساحر مبين، فالاشارة فى قراءتها الى عيسى عليه السلام، ولما أوحى الله الى عيسى عليه السلام: { يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِى } الخ كان يلبس الشعر ويأكل الشجر، ولا يدخر لغد، ويقول: مع كل يوم رزقه، ولا بيت له يخرب، ولا ولد يموت، أين ما أمسى بات.