التفاسير

< >
عرض

مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
١١٧
-المائدة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ مَا قُلتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِى بِهِ }: قيل تصريح بنفى المستفهم عنه بعد تقديم ما يدل عليه، وقيل: ان دلالة الحصر على ما احترز عنه بالحصر مفهوم لا منطوق، فكون عيسى لم يقل لهم ما لم يأمره به مفهوم، لقوله: { مَا قُلتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِى بِهِ } أو منطوق له قولان محلهما علم البيان والأصول.
{ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبَّى وَرَبَّكُمْ }: المصدرية داخلة على فعل أمر، والمصدر مما بعدها عطف بيان على هاء به بناء على جواز عطف البيان على الضمير، ومنعه ابن مالك وابن السيد، لأنه فى الجوامد كالنعت فى المشتقات، والضمير لا ينعت، فكذا لا يعطف عليه عطف بيان، أو بدل منها مطلق، ولو كان لا يصح اسقاط المبدل منه لخلو الموصول عن الرابط، وليس كل مبدل منه يصح اسقاطه، بل تارة وانما المعتمد أن المراد بالذات البدل، ولو قلت فى: نفعنى زيد علمه نفعنى علمه لبقى الهاء بلا مرجع، أو خبر لمحذوف أى هو أن اعبدوا الله بناء على جواز الاخبار بالطلب، أو مفعول لمحذوف، أى أعنى أن اعبدوا الله، ولا يجوز أن يكون بدلا من ما الموصولة، أو عطف بيان عليها، لأنها مفعول للقول والمصدر مفرد ليس فى معنى الجملة، والقول لا ينصب المفرد الا ان كان من معنى الجملة أو الجمل، كقلت كلاماً، وقلت قصيدة الا أن يقال اغتفر هنا فى الثانى ما لم يغتفر فى الأول.
أو يقال لما كان اللفظ قبل التأويل بالمصدر جملة، صح أن ينصب المصدر غير الصريح، أو يضمن قلت معنى ذكرت، وأما ما فهى فى معنى الجملة، لأن الله جل أمره بقوله:
{ اعبدونى } فالله قال: { { اعبدونى } وعيسى قال: يقول لكم الله اعبدونى، ولا يجوز أن تكون ان مفسرة، لأنها تكون مفسرة بجملة فيها معنى القول دون حروفه، ولأن الله تعالى لا يقول: اعبدوا ربى، اللهم الا أن يقال القول بمعنى الأمر، واللام تأكيد مع مناسبة لفظ القول لها، ويقدر معنى الياء فيما أمرتنى أى ما أمرتهم الا بما أمرتنى به، فيبقى أن الله جل جلاله لا يقول: اعبدوا ربى وربكم، فيجاب بما مر آنفاً أنه لا يلزم صلاحه وقوع البدل فى موضع المبدل منه، فلا يضر أنه لا يصح أن يقول الله اعبدوا ربى وربكم.
وأيضا يعتبر لفظ عيسى لهم أى الا ما أمرتنى أن أقوله، وهو أن أقول لهم: { اعْبُدُوا اللهَ رَبَّى وَرَبَّكُمْ } ومعنى اعبدوا الله ربى وربكم اعبدوه وحده، وفهم ذلك من وصفه بأنه ربهم فلا يسوغ أن يعبدوا غير من هو الرب عز وجل.
{ وَكُنتُ عَلَيْهِم شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهمْ }: رقيباً عليهم نهاهم عن الاشراك، وأمرهم بالتوحيد والعبادة، وترك المعصية فلا أقول لهم اتخذونى وأمى الهين من دون الله، أو مشاهداً لأحوالهم من كفر وايمان.
{ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى }: قبضتنى بالرفع الى السماء بلا موت، أو بعد موت كما مر فى محله، والتوفى أخذ الشىء وافياً ومنه قيل للموت وفاة.
{ كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِم }: المراقب لأحوالهم من كفر وايمان، وطاعة ومعصية، فتعصم من أردت عصمته، وتخذل من سبقت له الشقاوة، ولكن بعد أن بينت له سبيل الرشاد، فاختار الضلال والبيان بما سبق قبل عيسى من الرسل والكتب، وبعيسى وانجيله وما بعده وهو القرآن ورسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
{ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ شَهِيدٌ }: رقيب مطلع عليه عالم به، فأنت تعلم ما قلت لهم يا رب.