التفاسير

< >
عرض

يَٰقَوْمِ ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَٰسِرِينَ
٢١
-المائدة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يَا قَومِ ادخُلُوا الأرضَ المُقَدَّسَةَ }: المطهرة من الشرك، اذ صارت مسكناً للأنبياء والمؤمنين، وقيل: المقدسة المباركة، ورجح الفخر هذا بأنها لم تكن مقدسة حين قال موسى هذا عن الشرك، ولا مقر للأنبياء، وقال: الا أن يقال انها كانت كذلك من قبل، أى ومن بعد أيضاً لأنها كذلك حتى يأخذها بخت نصر لأحداثهم.
قال قتادة: هى الشام كلها.
قال كعب الأحبار: وجدت فى كتاب الله المنزل أن الشام كنز الله فى أرضه، وبها أكثر عباده.
قال الطبرى: لا يختلف أنها بين الفرات ومصر.
وعن ابن عباس: الطور وما حوله هو الأرض المقدسة، ويحكى أن ابراهيم عليه السلام كان فى فلسطين، فقال الله: ان هذه الأرض التى أنت فيها ميراث لولدك.
وعن الكلبى: أن ابراهيم عليه السلام لما صعد جبل لبنان قال الله سبحانه وتعالى له: انظر فما أدركه بصرك فهو مقدس، وهو ميراث لولدك، وكذلك قال مجاهد هى الطور وما حوله، فلعله الراوى عن ابن عباس لذلك، وقيل: هى دمشق وتظاهرت الروايات أن دمشق هى قاعدة الجبارين، وقيل: أريحا أو فلسطين وبعض الأردن، وعبارة بعض فلسطين ودمشق، وبعض الأردن، وذلك فى التقديس للأرض ودخولها وأما أن يملك بنو اسرائيل الشام كله فلم يثبت.
قال الشيخ يوسف بن ابراهيم أبو يعقوب: امتن الله على بنى اسرائيل بأن وعدهم افتتاح القدس ومدائن الشام،، واستطالت له بنو اسرائيل على جميع الأنبياء والأمم التى قبلهم، فكان ذلك كذلك، ولم يصح مع ذلك مدائن الشام كلها، وأفضل الشام فلسطين هو لأولاد جانا والدروب للروم، يعنى ما يلى أرض الحجاز ألا ترى قول الله تعالى لداود حين قال له: اخرج أولاد كنعان من أرض فلسطين، فانهم لا يطيعون نبياً منهم ولا من غيرهم، فهم للأرض كالجدرى للوجه.
{ الَّتِى كَتَبَ اللهُ لَكُم }: فى اللوح المحفوظ أن سكنوها، ولا ينافى قوله تعالى:
{ فانها محرمة عليهم } لأنه ليس المراد كتبها لكم كلكم، بل لكل فى الجملة لأكله فرد فرد فكفى فى ذلك أنه قد دخلها يوشع بن نون، وكالب بن يوقنا، وسكناها هم ومن عاش بعد الأربعين من أصحاب التيه المحرمة عليهم أربعين سنة، وأيضاً كتبها لكم مسكناً يا جنس بنى اسرائيل لا خصوص من أمر، لأن على لسان موسى عليه السلام، وأيضاً كتبها الله لهم فى اللوح المحفوظ، وشرط الطاعة، وان فسرنا كتبها لكم أوهبها لكم فلم يقبلوها بتعاصيهم وعصيانهم فلا اشكال، وكذا اذا فسرناه بغرضنا.
{ وَلا تَرْتَدُوا عَلَى أدْبَارِكُم }: لا ترجعوا القهقرى مرتدين عن دينكم، وعاصين لأمر الله عز وجل، أو لا ترجعوا الى مصر عن الأرض المأمور بدخولها، ولما صدق واحد لأن الرجوع الى مصر وقد أمرهم الله بالشام عصيان وسببه خوف الجبابرة بالشام.
{ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ }: لثواب الدنيا والآخرة، ثواب الدنيا ملك الشام، وثواب الآخرة الجنة، وتنقلبوا منصوب فى جواب النهى أو مجزوم عطفاً على لفظ ترتدوا، أى فلا تنقلبوا خاسرين، ومعنى تنقلبوا تصيروا أو ترجعوا الى مصر.