التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ يَامُوسَىۤ إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ
٢٤
-المائدة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبدَاً مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَب أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ }: خاطبهم الرجلان، وأجابوا موسى مبالغة فى ابطال كلامهما، والتهاون به، ومسارعة الى قطع الدخول البتة، ولأن كلامهما مما أراد موسى عليه السلام وارتضاه، فهو كلامه وقد مر أنهما لما قالا ما يليق بذلك أرادوا رجعهما، ولما قالوا ذلك وهموا بالانصراف الى مصر خر موسى وهارون قدامهم ساجدين لله تعالى، خائفين من الله، طالبين للطفه وخلعة نبياً يبين الله أن يجعل لهما، ولمن معهما مخرجا وغناء عن هؤلاء، والله أعلم.
قيل: وخرق يوشع وكالب ثيابهما، ولعل ذلك جائز فى شريعتهما على غير سخط قضاء الله، وقولهم: اذهب أنت وربك فقاتلا شرك بالله تعالى، اذ وصفوه بالانتقال وبالحلول والتركيب والحدوث ونحو ذلك من النقائص اللازم ذلك كله على وصفه بالانتقال، وكذا وصفوه تعالى بالقتال الذى هو حركة وسكون، وتحول وعلاج، وذلك كله شرك كما عبدوا العمل، وقالوا: اجعل لنا الهاً، وطلبوا رؤية الله جهرة، فهم مجسمة، وأشركوا بذلك، لأنه لفظ شرك، ولو أرادوا بذلك مجرد مخالفة ما أمروا به لا حقيقة الانتقال والقتال لكانوا مشركين باللفظ، منافقين بالمعنى، واذا استحضرت شركهم بعبادة العجل، وقولهم: اجعل لنا الهاً مع مصاحبتهم نبى الله ورؤيتهم المعجزات لم يكن لك أن تستبعد اشراكهم فى الآية.
ولو قيل: ببعده ويضعف أن يقال مرادهم، وربك معين لك أو يعينك، لأن فيه تقدير لا يخرج اليه كون الكلام لمتورع، أى لا تقوى ولا ورع لهم، ولأن فقاتلا ينافى هذا التقدير منافاة ظاهرة تحتاج الى تكلف دعوى قاتل يا موسى بسلاحك، وربك باعانته اذ هذا جمع بين الحقيقة والمجاز، أو دعوى عموم المجاز.
والحاصل أن الله عز وجل قد وصفهم بقوله:
{ وما قدروا الله حق قدره } وقيل أرادوا بقولهم وربك أخاه هارون، وكان أكبر من موسى، كما يعظم الأكبر باسم التعظيم كالأب والسيد، أو بمعنى وصاحبك وهو هارون عليه السلام، وذلك ضعيف، ودام فى تأويل مصدر بدل من أبدا بدل البعض، فان دوام الجبارين فيها بعض الأبد، أو بدل مطابق على تقدير استشعار دوامهم فيها أبد الدنيا، وأبد حياة بنى اسرائيل القائلين ومن يخلفهم، ولما قالوا ما قالوا، قالوا يا موسى: أتصدق اثنين يوشع وكالب وتكذب عشرة باقى النقباء، وأيس من خيرهم قال ما حكى الله عز وجل عنهم بقوله: { قَالَ رَبِّ إِنِّى لا أَمْلِكُ }