التفاسير

< >
عرض

قَالَ رَبِّ إِنِّي لاۤ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ
٢٥
-المائدة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قَالَ رَبِّ إِنِّى لا أَملِكُ إِلا نَفْسِى وَأَخِى فَافْرُق بَيْنَنَا وَبَينَ القَوْمِ الفَاسِقِينَ }: أخى معطوف على نفسى لا على الياء، لعدم اعادة الخافض والمعنى لا أملك الا طاعة نفسى وأخى، أى حصلت لى طاعة نفسى وطاعة أخى، لأن الحر لا يكون مملوكاً، وذلك ظاهر التأويل، حتى كأنه لا يلاحظ غيره، لأن الطاعة هى المراد بالذات ولو من العبد المملوك، ويجوز أن يكون أخى معطوفاً على ياء انى، وتقدر جملة تعطف على لا أملك عطفاً لمعمولين على معمولى عامل، أى وان أخى لا يملك الا نفسه كقولك: ان زيداً قائم وعمراً قاعد.
ويجوز عطف أخى على المستتر فى أملك لوجود الفصل بقوله: { إِلا نَفْسِى } فيقدر الا ومدخولها أيضاً، فيكون عطفاً لمعمولين على معمولى عامل واحد، أى لا أملك الا نفسى ولا أخى الا نفسه، أى ولا يملك أخى الا نفسه، أو يقدر عطف فقط على نفسى بدون الا أى لا أملك أنا وأخى الا نفسى ونفسه، ويجوز أن يكون أخى معطوفاً على محل ان واسمها على أنهما معا بمنزلة المبتدأ، اذ لم يغير الجملة الى المفرد، بل أفادت التأكيد فقط، كما غيرتها أن بالفتح فيقدر لأخى خبر، فيكون العطف من عطف جملة على أخرى، وكأنه قيل أنا لا أملك الا نفسى، وأخى لا يملك الا نفسه، وانما كررت أنا للتأكيد ليفيد ما تفيد أن لكن ان رجعنا التأكيد اللفظى الى الخبر.
وأولى من ذلك أن تقول: أنا لا أملك تحقيقاً الا نفسى، ولا مانع من عطف جملة مجردة من أن على أن واسمها وخبرها بلا حاجة الى تنزيل ان واسمها بمنزلة المبتدأ وهو ظاهر واضح، وأما أن يعطف أخى على محل اسم أن على أن محله الرفع، ويقدر الا نفسى والا أخى الا نفسه، فالصحيح المنع، اذ لا يظهر هذا المحل، بل لا نسلم أن هناك محلا.
وأجاز الكوفيون وابن مالك عطف أخى على ياء نفسى، لعدم أشراطهم اعادة الجار فى العطف على الضمير المجرور المتصل، والجار هنا المضاف وهو لفظ نفس، ولو أعيد لقيل الا نفسى ونفس أخى، وانما قال الا نفسى وأخى وهو هارون، ومع أن معهما يوشع وكالب، لأنه لم يثق بهما كل الوثوق لما جرب من تلون أحوال قومه مع طول الصحبة، فلم يذكر الا النبى المعصوم، أو لم يذكرهما تقليلا لهما لفرط ضجره عندما سمع قول قومه، حتى أنه نزلهما منزلة العدم، اذ لا يقعان من الجبارين موقع ما أراد، ويجوز أن يريد بأخى جنس الأخ فى الدين، فيشمل هارون ويوشع وكالب، وانما قال موسى: { رَبِّ إِنِّى لا أَملِكُ } الآية اشتكاء الى الله، وتضرعاً واستنزالا لنصر الله جل جلاله، ومعنى { افْرُق بَيْنَنَا وَبَينَ القَوْمِ الفَاسِقِينَ } احكم بيننا وبين هؤلاء الخارجين عن طاعتك من بنى اسرائيل بما يستحقون من العذاب، وثبتنا على طاعتنا، فالفرق بمخالفة الجزاء قيل وباعد بيننا وبينهم، وخلصنا من صحبتهم.