التفاسير

< >
عرض

وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ
٤٣
-المائدة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَكَيفَ يُحَكِّمُونَكَ }: يجعلونك حاكماً بينهم بنية صادقة منهم وطلب للحق.
{ وَعِندَهُمُ التَّورَاةُ فِيهَا حُكمُ اللهِ }: كالرجم والدية، فيرجع ذا الحكم فى التوراة مع شدة عداوتهم لك، واظهار جحود رسالتك ونبوتك تعلم أنهم لم يحكموك طلباً للحق، بل طلبا للرخصة الموافقة لهواهم، ولو صدرت منك باطلا لو كانت تصدر باطلا، ولو حكموك طالباً للحق لم يتولوا عن حكمك بعد وقوعه، وهم قد تولوا عنه كما قال الله تعالى:
{ ثُمَّ يَتَوَلَّونَ مِن بَعدِ ذَلِكَ }: الحكم الواقع منك للمعلوم من المقام، أو من بعد التحكيم المترتب عليه الحكم، فما ذلك الا المخالفة حكمك هواهم، وموافقته للحكم الذى فى التوراة الذى أعرضوا عنه لمشقته عليهم، ولتفريطهم، وكيف للاستفهام الانكارى، نفى به أن يريدوا أن يكون حاكما تحقيقاً لا للتعجيب، لأن التحكيم بنية صادقة غير واقع أن يقال: المراد تعجب يا محمد من مجرد هذا التحكيم فيما نصت عليه التوارة، ومن توليهم عنه، لأنك لم تعلم سببه، وبعد علمك بأن سببه أن توافق هواهم يزول تعجبك { وَعِندَهُمُ التَّورَاةٌ } حال من ولو { يُحَكِّمُونَكَ } وفيها حكم الله خبر ثان للتوراة، والأول عندهم أو حال من التوراة، أن جعل فاعلا للظرف، اذ يجوز رفعه الفاعل اذا اعتمد على صاحب الحال، وهو هنا ولو يحكمونك أو حال من ضمير فى عندهم اذا جعلنا عندم خبراً مقدماً للتوراة.
ويجوز كون فيها حالا على حد ما مر، وحكم فاعله، ويتولون بعد ذلك معطوف على يحكمونك، فهو داخل فى التعجيب على وجه التعجيب، كيف يحكمونك وكيف يتولون، وداخل فى الانكار على وجه الانكار من باب توجيه النفى الى المقيد لا يحكمونك بنية صادقة مع وجود التولى، اذ لو كانوا بالنية لم يتولو فالتحكيم بها منفى، والتولى موجود.
واعلم أن تأنيث ضمير التوراة، وادخال أل تعريب للفظ توراة، حتى صيرت تاء كتاء التأنيث مع أنها ليست من ألفاظ التعرب، ولذلك أدخلت أل، هذا تحقيق المقام، ولا تتوهم أن أل دخلت قبل التعريب.
{ وَمَا أُولَئِكَ }: اليهود.
{ بِالمُؤمِنِينَ }: بكتابهم ورسولهم ولو زعموا أنهم آمنوا بهما أو ليسوا بالمؤمنين بالله حقيقة الايمان لكفرهم بأنبيائه وكتبه، وادعائهم أن عزيراً ابن الله، أو ليسوا بالمؤمنين بكتابك.