التفاسير

< >
عرض

وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ
٤٦
-المائدة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَقَقَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابنِ مَرْيَمَ }: أى أتبعنا النبيين عيسى ابن مريم أى جعلناه تابعاً بعدهم، أى آتيا بعدهم أو تابعاً لهم فى الحكم فى التوراة الى أن نزل عليه ما نسخ بعض التوراة من الانجيل، فكان يحكم بهما، ويترك ما نسخ الانجيل، والباء صلة للتأكيد فى المفعول الأول، وهو عيسى، والثانى ضمير متصل الى النبيين كما رأيت، وانما قلت عيسى هو الأول لأنه الفاعل فى المعنى، لأنه القافى.
وقول القاضى ان عيسى مفعول به ثان مشكل، ويجوز أن يكون تشديد قفينا للتأكيد، فيكون له مفعول واحد هو ضمير النبيين المحذوف، والباء حينئذ للتعدية، ولعله أراد أنه ثان فى الذكر، وعلى آثارهم متعلق بقفينا على جهة التأكيد بأن الأثر يفيد التعقيب.
{ مُصَدِّقًا لِّمَا بَينَ يَديْهِ مِنَ التَّوراةِ }: متعلق بمحذوف حال من ما أو من ضمير لما فى بين، ومن بين للبيان، ومعنى بين يديه قبله لأن ما سبق وجوده، وحضر فهو كالشىء الحاضر بين يديك، كما أن حدث فى زمان وجودك، وحضر فهو بين يديك، ومعنى تصديقه بالتوراة ايمانه بها، وعمله بها الا ما نسخ منها بالانجيل، فمذ نسخ لم يعمل به.
{ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدىً }: من الضلال.
{ وَنُورٌ }: بيان للأحكام، والجملة حال من الانجيل، وقرأ الحسن بفتح همزة انجيل، وساغ ولو يخرج به عن أوزان العرب، لأنه أعجمى.
{ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَينَ يَدَيهِ مِنَ التَّوراةِ }: مصدقاً معطوف على جملة فيه هدى ونور، وهى حال مصدقاً حال معطوفة، وكذا ان عطفنا مصدقاً على فيه أو متعلقة المحذوف اذا جعلناه حالا، وهدى فاعله وهو أنسب، لكون المعطوف عليه حينئذ مفرد المعطوف، لكن اذا قدرناه وصفاً أى وآتيناه الانجيل ثابتاً فيه هدى ونور، ومصدقاً، وعلى كل حال فهو من عطف حال حقيقية على حال سببية، كقولك: جاء زيد قائماً أبواه فرحاً، وهذا التصديق من الانجيل للتوراة، والأول قبله من عيسى عليه السلام لها فلا تكرير.
{ وَهُدىً وَمَوعِظَةً لِّلمُتَّقِينَ }: حالا معطوفان على ما عطف عليه مصدقاً، أو مفعول لأجلهما معطوفان على مفعول لأجله محذوف، والناصب آتينا أى وآتيناه الانجيل الى آخره، فضلا أو منه، وهدى وموعظة، أو مفعول لأجلهما لعامل محذوف، أى وآتيناه الانجيل هدى وموعظة، وخص المتقين بالذكر لانتفاعهم به، وليس ذلك تقرير، لأن المراد والله أعلم هدى وموعظة للمتقين من النصارى، وهم من يؤمن برسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.