التفاسير

< >
عرض

قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ
٥٩
-المائدة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ }: تنكرون أو تعيبون، وقرأ الحسن بفتح القاف وهو لغة.
{ مِنَّا }: الاستفهام للتعجب مرجوحة والنفى، والمراد أهل الكتاب الذين اتخذوا دين الله هزواً أو لعباً.
{ إِلا أَن آمَنَّا باللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا }: من القرآن والوحى.
{ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ }: كالانجيل والزبور والتوراة، أى ان رمتم أن تتخذوا فى ديننا خللا لم تجدوا فيه غير الايمان بذلك، وليس هذا خللا بل كمال، فالآية من تأكيد المدح ما يشبه الذم كقوله:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب

روى أن نفراً من اليهود: أبا ياسر بن أخطب، ورافع بن أبى رافع وغيرهما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: من تؤمن به من الرسل؟ فقال: أومن بالله وما أنزل الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والأسباط، وذكر الأنبياء، وذكر فيهم عيسى، فلما ذكره جحدوا نبوته وقالوا: والله لا نؤمن بمن آمن به والله، وقالوا: والله لا نعلم أهل دين أقل حظاً فى الدنيا والآخرة منكم، ولا دين شراً من دينكم، فنزل: { قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ } الآية.
{ وَأّنَّ أكثَرَكُمْ فَاسِقُونَ }: عطف على لفظ الجلالة، أى الا ان آمنا بالله، وبأن أكثركم فاسقون، أى صدقنا وتحققنا أن أكثركم فاسقون بمشاهدتنا اياكم، وباخبار الله ايانا، وذلك اقامتهم على الدين الباطل وسائر المعاصى التى لم يدينوا بها لحب الرياسة، وأخذ المال بالباطل، وخرج بالأكثر من آمن منهم وحسن ايمانهم، ويجوز أن يكون العطف على ان آمنا، أى هل آمنا الا ايماننا تنقمون بالله الخ، والا أن أكثركم فاسقون، وهو أيضاً من تأكيد المدح بما يشبه الذم، باعتبار أن فسق اليهود هو مخالفتهم الحق الذى عليه المسلمون، فان المستثنى وما عطف عليه بمنزلة لفظ واحد وهو المخالفة، أى ما تنقمون منا الا مخالفتنا أياكم، أو يقدر مضاف فيظهر تأكيد المدح، أى والا اعتقاد أن أكثركم فاسقون فيجوز العطف على علة محذوفة، أى هل تنقمون منا لقلة انصافكم ولفسقكم الا أن آمنا.
ويجوز كون المعطوف محذوفاً جملة معطوفة على هل تنقمون منا الا أن آمنا الخ { وَأّنَّ أكثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } مفعول لهذا المحذوف، أى ولا تنقمون أن أكثركم فاسقون، ولا يكون هذا الوجه كالوجه الممنوع، ويكون هذا الوجه كالوجه الممنوع الذى هو قولك ما قام القوم الا زيد الا عمرو، لأن الجملة أعيدت وهى لا تنقمون مجاز، كما جاز: ما قام القوم الا زيد، وما قام عمرو، وقيل: يجوز ان يكون { انَّ أكثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } مبتدأ خبره محذوف، أى وفسقكم ظاهر لكن منعكم من الاقرار به عدم الانصاف، وحفظت أن مثل هذا ممنوع لا يجوز، أن تقول: انك قائم أمر ثابت، لأن لفظ ان لا يفتح فى الصدر، وعلى القول بالجواز يكون أى قيامك أمر ثابت الخبر محذوفاً وجوباً، ويجوز أن يكون الواو واو المعية كذا قيل، بناء على جوازها مع اسم غير صريح.