التفاسير

< >
عرض

يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
٩٠
-المائدة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيسِرٌ وَالأَنصَابُ }: الأصنام المنصوبة للعبادة، أو الحجارة التى تنصب للعبادة بدون أن تصور.
{ وَالأَزْلامُ }: مر بيانها وبيان ذلك كله قيل يجعلون الأزلام فى الكعبة عند سدنة البيت.
{ رِجْسٌ }: شىء تستقذره النفس السالمة، كما تستقذر أعيان الأرجاس كالعذرة، فذلك تشبيه لتلك الأشياء بأعيانهن بالرجس الذى هو العذرة ونحوها، فيفيد ذلك التقبيح تناول الخمر لغير اراقته أو افساده، ولعب الميسر وعبادة النصب والاستقسام بالأزلام كتقبيح نحو العذرة، وايضاح ذلك أن نفس الأزلام ولو قبل العمل بها، ونفس ما ينصب اذا اعتبر أنه ينصب للعبادة، ولو قبل أن يعبد، وكيفية لعب الميسر ولو قيل أن يلعب به، ونفس الخمر ولو قبل تناولها للشرب أو البيع أو غير ذلك قبيحة كالعذرة، فيقبح تناولهن لقبحهن.
وقال الزجاج: الرجس موضوع لما يستقذر من الأعيان الكريهة والأعمال القبيحة بالمعنى، والجمهور على أنه محكى فى الذات النجسة حقيقة فى كل ما يستقبحه العقل، وعن ابن زيد: الرجس الشر، وأفرد الرجس مع أنه خبر عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، لأن المراد التشبيه ويجوز تشبيه أشياء بشىء نحو الزيدون كزيد، أو التقدير مضاف مفرد صلح الاخبار به عنه، أى انما تناول الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس، أى مستقبح ويجوز أن يكون خبر للخمر فيقدر لغيره فهو فى نية التقديم، أى انما الخمر رجس وكذلك الميسر والأنصاب والأزلام.
{ مِنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ }: لا يخفى أن عصر الخمر وكيفية لعب الميسر، ونصب الحجارة وتصوير آلات الاستقسام ليست عملا للشيطان، بل للانسان وكذلك تناولها واستعمالها لما صورت له فما نسب تصويرها أو استعمالها والعمل بها للشيطان، الا لكونه أمراً بذلك مسبباً مزيناً، ولا سيما أنه يجوز أيضاً أن يراد بالشيطان الانسان الشبيه بفسقه الجن فى الخبث والبعيد جداً عن مقام الخير، لكن هذا وجه ضعيف، وعلى كل فالمراد الجنس، ويجوز أن يراد ابليس.
{ فَاجْتَنِبُوهُ }: الرجس المذكور، أو اجتنبوا المذكور من الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، أو اجتنبوا التناول لهن.
{ لَعَلَّكُم تُفْلِحُونَ }: تفوزون بالجنة لاجتنابها، أكد الله جل وعلا تحريم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام بقصرها على الرجس، قصر موصوف على الصفة كأنه قيل: ليس فيها من الصفات الا كونها رجساً من عمل الشيطان، فذلك ثلاث تأكيدات: الحصر، وكونها رجساً، وكونها من عمل الشيطان، على أن من عمل الشيطان خبر ثان، أو الحصر وكونها رجساً، وكون ذلك الرجس من عمل الشيطان، على أن من عمل الشيطان نعت لرجس، وأكده أيضاً بكون الجملة اسمية، وبالأمر باجتنابهن، وبترتيب الفلاح على اجتنابهن، ففى تناولهن الهلاك، وزال تأكيد تحريم الخمر والميسر والأزلام، بأن قرنها بعبادة غير الله وهى شرك.
قال صلى الله عليه وسلم:
" شارب الخمر كعابد الوثن " وزاد تأكيد تحريم الخمر والميسر يذكر أنهما يورثان العداوة والبغضاء، وأنهما يصدان عن ذكر الله، وأنهما يصدان عن الصلاة، ويكفى من نظر بعين البصيرة فى الكف عنهن أنهن من عمل الشيطان الذى هو عدوه الحقيقى الذى لا يأتيه منه الا الشر الخالص.