التفاسير

< >
عرض

جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَٰماً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَٱلْهَدْيَ وَٱلْقَلاَئِدَ ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٩٧
-المائدة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ جَعَلَ اللهُ الكَعْبَةَ البَيْتَ الحَرَامَ }: البيت بدل الكعبة أو بيان، والحرام نعت البيت للمدح.
{ قِيَامًا }: مفعول ثان.
{ لِّلنَّاسِ }: نعت لقيام، والمعنى صير الله الكعبة بسبب قيام الناس بدينهم بالحج والعبادة، وبدنياهم اذ يلوذ به الخائف الضعيف يلقى فيه الرجل قاتل أبيه ولا قتله، ولا نهب فيه ولا غارة، ويربح فيه التاجر وتجىء اليه ثمرات كل شىء، قال عطاء وابن عباس: لو تركه الناس عاماً واحداً لنزل عليهم العذاب فيموتون ولا يمهلون، فقياماً صدر على حذف مضاف كما رأيت، ويجوز أن يكون من القيام الذى هو اسم لما يقوم به الشىء كملاك، فان به صلاح دينهم ودنياهم، ويجوز أن يكون البيت مفعولا ثانياً، وقياماً مفعول ثان متعدد، أو اسم مصدر بمعنى اقامة مفعول لأجله، أى ليقيم للناس دينهم ودنياهم، أو مفعول مطلق، أى يقومون به قياماً، ففى هذا الوجه يكون للناس متعلقاً بجعل أو خبر لمحذوف أى ذلك للناس، ويجوز أيضاً تعليقه لجعل فى الأوجه السابقة ولكن الراجح ما سبق.
وقرأ ابن عامر: قيما بكسر القاف وفتح الياء وعدم الألف بعدها مصدر قام، أعل يقلب الواو فيه ياء تبعاً لاعلال فعله بقلب الواو فيه ألفاً لا للاتباع تضمين قوماً بالصحيح كما صح يمور وحوك، لأنه ليس فعل ولا على وزنه، وذلك كما أعل ديار بقلب الواو ياء تبعاً بقلبها ألفا فى مفرده دار مع أنه غير فعل، ولا شبيه به، وهو فى هذه القراءة مفعول مطلق، أى يقومون قياماً، حذف عامله أو حال على حذف مضاف أى ذا قيام للناس، أو بمعنى قائماً للناس، وصاحب الحال لفظ الجلالة أو البيت على أن البيت مفعول لأل أو قيما مفعول ثان متعدد على حذف المضاف أو التأويل بقائم أو البيت تابع، وقيما مفعول ثان.
{ وَالشَّهْرَ الحَرَامَ }: ذا الحجة لأن الحج فيه فهو الأولى بالارادة فى هذا المقام، كذا ظهر لى ثم رأيته لغيرى، وقيل: المراد جنس الأشهر الحرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، كان العرب تمسك عن الغارة والقتال فيهن، وكان للعجم ملوك حتى البرابر لهم جواليت تدفع عنهم، لم يكن للعرب ملوك يدفعون الظلم، فجعل الله له البيت الحرام، والأشهر الحرم تدفع بعض العرب عن بعض.
{ وَالهُدْىَ }: ما يهدى الى البيت فيذبح، ويفرق على فقراء الحرم، فهو نسك وقوام لمعيشة الفقراء.
{ وَالقَلائِدَ }: ذوات القلائد، فان القلائد ما يعلق على البعير من نعل، أو لحى الشجر علامة على أنه هدى، فذوات القلائد هن البدل، وهذا بعد ذكر الهدى تخصص بعد تعميم، لأن من الهدى ما قلد، ومنه ما لم يقلد، وخص بعد تعميم لمزيد فضل فانه أدلى على الحج، وأشعر بالثواب، فانه اذا لقى أحد من العرب الهدى مقلداً لم يتعرض له ولم يموت جوعاً، فهو أدل على تعظيم البيت وعظمته، ولا يؤذون صاحب الهدى المقلد.
وفوق ذلك أن القلادة فى العرب تكون من شجر الحرم، فيزاد الحرم تعظيماً اذ كان لحى شجرة مانعاً، والثلاثة معطوفات على الكعبة، لأن قياماً يصلح للقليل والكثير، والمذكر والمؤنث، فهن فى نية التقديم على قياماً، وهذا أولى من أن يقدر لهن قياماً من باب العطف على معمولى عامل لسلامته من الحذف، وهذا الحذف أولى من أن يقدر لكل واحد قياماً، لأن تقليل المحذوف أولى.
{ ذَلِكَ }: المذكور من جعل الكعبة البيت الحرام، والشهر الحرام، والهدى والقلائد قياماً للناس أو ذلك المذكور من الأمر بحفظ حرمة الاحرام بترك الصيد، ومن الزام الكفارة على الصيد وهو مفعول لمحذوف يتعلق به قوله:
{ لِتَعْلَمُوا } أى شرع الله ذلك لتعلموا، وذلك مبتدأ خبره لتعلموا عند مجيز الاخبار بالتعليل.
{ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَاواتِ وَمَا فِى الأَرْضِ }: فان ذلك الجعل، وما ذكر دليل لنا نعلم به أن الله عز وجل عالم فى الأزل بأن الحرم سيعمر، وأن العرب من شأنهم القتل والاغارة، فجعل لهم ما يسكنون به عن القتل والغارة، وهو تعظيم الكعبة والحرم، والأشهر الحرم والهدى والقلائد فيأمنون فيه، وبالأشهر الحرم والهدى القلائد فعمروا الحرم من لدن اسماعيل، فانه انما يهيىء المنفعة ودفع المضرة قبل وقوعها من يعلم بوقوعها، ونعلم أن علمه ذلك تحقيق لا ظن بأنه هو خالق ما فى السماوات وما فى الارض.
{ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ }: مما هو أيضا فى غير السماوات والأرض وما فيهما، وهذا عموم بعد تخصيص ومبالغة بعد اطلاق.