التفاسير

< >
عرض

بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
١٠١
-الأنعام

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ بَديعُ السَّماوات والأرْض } خبر لمحذوف أى هو بديع، وبديع صفة مشبهة مضافة لفاعلها كقولك: زيد غريب الصنع، وحسن الوجه، وكريم الفعل، وأن بمعنى الضمير، أى بديع سماواته وأرضه، أو يقدر الضمير، أى بديع السماوات والأرض له، أى حال كونهن له، أو الإضافة الظرفية تعالى الله عن أن يكون مظروفاً، بل أحدث فيهن ما هو غريب، ليس إحداثه على قياس لشئ، أو بديع بمعنى مبدع، والإضافة لمفعوله، ومن أجاز الإخبار بالإنشاء أجاز أن يكون بديع مبتدأ خبره هو قوله تعالى:
{ أنَّى يكونُ له ولدٌ } أنى بمعنى كيف حال من ولد ولو نكرة، لتقدم الحال عليها، ولو وجب تقديمها لصدارتها، أو مفعول مطلق، أى كونا يكون له ولد، أو هو بمعنى من أين فيتعلق بيكون، وله متعلق بيكون، ولا خبر له، وولد فاعل يكون أوله خبر، وولد اسمه أو أتى خبره، ولد اسمه وإذا لم تجعل لفظ له خبراً صح كونه حالا من ولد.
{ ولَم يَكُن لهُ صاحِبةٌ } زوجة نفى الولادة عن نفسه من وجه الأول، قوله: { بديع السماوات والأرض } فإن من أبدع السماوات والأرض مع عظمهما لا يحتاج إلى ولد ولا إلى شئ، أما كيف يحتاج إلى خلقه، ولا يكون من جنس ما يتوالد فالثانى نفى آلة الولادة وهى الزوجة، ولا زوجة له، لأن الزوجة من جنس الزوج، تعالى الله عن المجانسة.
الثالث قوله: { وخَلَق كل شئ } لأن الخالق لكل شئ لا يحتاج لولد، ثم بعد ما ذكرت ذلك رأيت الزمخشرى ذكر هذه الأوجه، والعطف فى الأول أن الولادة من صفات الأجسام، ومخترع الأجسام لا يكون جسماً، وهذه الجملة مستأنفة، وقرئ ولم يكن له صاحبة بالتحتية، ولو كان مرفوعه مؤنثا حقيقا للفصل، بل له مثل: أتق القاضى بيت الواقف، أو لأن مرفوع يكن ضمير الشأن ولهُ خبر مقدم، وصاحبه مبتدأ مؤخر، والجملة خبر يكن، أو لأن فيه ضمير الله جل وعلا، وجملة له صاحبة خبره منفية بلم الداخل على يكن، وكذا الوجه قبله، والمتكلم هنا لا يدخل فى عموم كلامه قطعا، لأن الخالق سابق على الخلق، فكيف يخلق نفسه وهو معدوم، فلا يدخل الله هنا فى عموم قوله: { خلق كل شئ } ودخل فى عموم قوله:
{ وهو بكل شئ عليم } لأنك تقول علم الله نفسه سبحانه وتعالى، إلا أنه لا يتبادر أن يريد هنا نفسه، قال أبو يحيى زكريا بن أبى بكررحمه الله : رب وخالق يستضئ بهما ضوء الشريعة، فلما جاء الشريعة حرمهما على خلقه يفنى فلا يقال إلا أنه رب للتنكير بلا إضافة، ولا بأل ولا خالق ولو بمعنى.