التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلأَنْعَٰمِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ
١٤٢
-الأنعام

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ومِنَ الأنْعام حَمولةً وفَرْشاً } من الأنعام متعلق بأنشأ السابق بواسطة تسلطه على حمولة، وفرشا بالنصب على المفعولية بواسطة عطفهما بالواو على جناب، ومن للابتداء أى من جنس الأنعام، أو يتعلق بمحذوف حالا من حمولة وفرشا، فتكون من للتبعيض أو للبيان، والمعنى أنه أنشأ الحمولة والفرش لأبيكم آدم، فهى تتوالد حتى وصلتكم بالولادة وأنشأها لكم بمعنى أنه لم يقطع توالدها عنكم، بل صيرها تلد لكم، وقيل: يقدر أو أنشأ من الأنعام حمولة وفرشا، والحمولة ما يحمل على ظهره وهو الإبل، وإنما كانت فيه التاء مع أنه فعول بمعنى فاعل، لأنه اسم خارج عن الوصية، وأصله أن يكون وصفا والفرش ما دونه من الأنعام وهو البقر والغنم، شبهت لقربها من الأرض لصغرها بالنسبة إلى الإبل بما يفرش على الأرض.
والفرش مصدر سمى به البساط المفروش على الأرض، ثم أطلق على البقر والغنم بالتشبه، والحمل ولو كان قد يكون على البقر وعلى كبش الراعى الذى يحمل عليه الشئ اليسير، لكن ذلك قليل غير مطرد، فوجب التيسير بالمطرد وهو الإبل.
وقال الربيع ابن أنس: الحمولة الإبل والبقر، والفرش والغنم، وذلك باعتبار من اعتاد الحمل على البقر، وقيل: الحمولة الإبل الكبار، والفرش الصغار من الإبل وهو رواية عن ابن عباس رضى الله عنه، وعن ابن مسعود وابن عباس والحسن: الحمولة ما يحمل وهو الإبل الكبار، والبقر الكبار، والفرش الإبل الصغار، والبقر الصغار، والغنم.
وعن ابن عباس: الحمولة الإبل والبقر والخيل والبغال والحمير، وكلما يحمل عليه، والفرش الغنم، وفى هذا تسميته غير الإبل والبقر والغنم أنعاماً مثلهن، وقيل: سمى الصغار من ذلك فرشا لقربه من الفرش الذى هو اسم للأنعام، أو قيل: لأنه يضطجع على الأرض فيكون كالفرش إذا أريد ذبحه، وقيل: لأنه يتخذ من صوفه وشعره ووبره ما يفرش على الأرض.
{ كلُوا ممَّا رزَقَكُم اللهُ } وهو تلك الأنعام والحروث وغيرها، لا تحرموا منه شيئا كالبحيرة وأخواتها، وما تجعلون للأصنام، والجملة مفعول لحال محذوف ناصبه أنشأ المذكور أو المحذوف، أى قائلين كلوا وهى محكيته إن قيل الإنشاء غير إنشاء أولها، أو أنشأها الأول، أو ما بعده باعتبار آدم ومقدرة إن قلنا الإنشاء الذى قبل آدم، أو الجملة معترضة كلام بلا تقدير قول، ومعلوم أن الله لا يسمع الحرام، فالمعنى مما رزقكم الله وكان حلالا، فالرزق يطلق على الحلال والحرام عندنا، لا كما قالت المعتزلة: إنه لا يطلق على الحرام، زعموا هنا أن الله أمر بأكل الرزق ومنع بعد من اتباع خطوات الشيطان، ومنها أكل الحرام، ولا يتعين ذلك، بل الآية أنسب بما قلنا بأن أباح الرزق ونهانا عما حرم منه وهو الحرام.
{ ولا تتَّبعُوا خُطُوات الشَّيْطان } وساويسه فى تحريم البحيرة وأخواتها، وأعنى بأخواتها السائبة والوصيلة والحامى، وفى تحريم ما يجعل للأصنام ونحو ذلك، فشبه وساويسه بآثار القدم، لأنهما شئ قد أثبته لهم ولمن قبلهم، فمتبعه كمتبع آثار القدم، وقرئ بضم الطاء اتباعا للخاء وبفتحها تخفيفا عن الضم، وأما الإسكان فعلى أصله المفرد.
{ إنَّه لكُم عدوٌّ مبينٌ } تعليل جملى أى لأنه لكم عدو ظاهر العداوة، أو مظهرها لكم غير مخفيها، فكيف تتبعون من يريد إهلاكهم؟! مبين حق، أبان بمعنى ظهر أو أظهر.