التفاسير

< >
عرض

مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
١٦٠
-الأنعام

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ مَنْ جاء بالحَسَنة فله عَشْر أمثَالها ومَنْ جاء بالسَّيئةِ فلا يُجْزى إلا مِثلَها } أى من جاء إلى الله بالحسنة لم يفسدها فى الدنيا فله عشر حسنات أمثالها، أى جزاء عشر حسنات أمثالها، كأنه عمل عشرا بلا تضعيف، كتب الله ذلك رحمة منه، كما سامح الفقير، فضرب له مالا عظيما على شئ من العمل لا يسوى شيئا من ذلك المال رحمة له وشفقة، ثم إنه لا يسمى ذلك إلا أجرة له، ولا يسمى الفضل إلا ما لم يجعله فى مقابلة ذلك العمل، بل رحمة الله أعظم، لأنه أيضا الخالق لعمل العبد الموفق له، وذكر الله العشر لأنه لا بد منها فى قضائه لكل من جاء بالحسنة، وعلى هذا الذى لا بد منه.
جاء أيضا عن النبى صلى الله عليه وسلم:
"ويل لمن غلبت آحاده عشراته" وذلك إذا جاء يفعلها وأما إن نواها وعلم الله منه الصدق، فإنه يكتبها له بلا تضعيف، وأجرة الله لنا لا تقصر على العشر، وقد يأجرنا بعشرين وخمس وعشرين وبسبعين وبمائة وسبعمائة وبألف، وأقل من ذلك فوق العشرة وأكثر من ذلك، وبلا حساب، ولذلك قيل: العشر فى الآية التمثيل للكثرة مهما دق العدد، وقد نظر لأنه تذكر فى الأحاديث أعداد بعد عشر ودون التمثيل، فى الكل تكليف، ولله عطاء لم يجعله فى مقابلة عمل يسميه فضلا، لكن يبين على الوفاء بالدين والكل أيضا فضل، وسقطت التاء من عشر مع أنه أضيف المذكر وهى أمثال، لأنه اعتبر موصوف أمثال وموصوفه مؤنث، أى عشر حسنات أمثالها، وقرأ يعقوب بتنوين عشر ورفع أمثال، على أنه نعت عشر، وأضاف عشر إلى حسنات محذوف، ومن جاء بالسيئة لم يمحها بالتوبة جوزى بواحدة.
وقال صلى الله عليه وسلم:
"إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها حتى يلقى الله تعالى" وهذا الحديث يدل على أنه تجمع الحسنات والسيئات، فيحكم بالأكثر وقيل: كلما عمل حسنة محيت سيئة إذا لم يصر، وكلما تاب محيت السيئة التى تاب عنها بشروط التوبة، وإن مات مصراً على سيئة واحدة محت حسناتها كلها، وهذا مذهبنا.
وجاء فى الحديث:
"أنه من هم بسيئة فعملها كتبت له بواحدة أو أحقر، وإن لم يعملها لم تكتب عليه وإن هم وعزم عليها كتب عزمه وهو ذنب أقل منها، وإن تركها من أجل الله كتب له حسنة" والخلود فى الجنة والنار بالنيات، لأن المؤمن ينوى الطاعة أبداً، والمشرك وسائر المصرين ينوون المعصية أبداً، قال ابن مسعود: الحسنة لا إله إلا الله، والسيئة الشرك، والصحيح العموم.
{ وهُم لا يُظْلمون } الضمير عائد إلى الجائين بالحسنات والجائين بالسيئات، لأن من فى الموضعين للعموم، ومعنى لا يظلمون لا ينقص من ثواب الجائين بالحسنات، ولا يزاد فى عقاب الجائين بالسيئات، ولا تكتب السيئة حتى تعمل.