التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ
٢
-الأنعام

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ هُو الَّذِى خَلقكُم مِن طِينٍ } بخلق أبيكم آدم منه، وعن ما ظهر لى بلفظه ومعناه، والله الذى لا إله إلا هو، ثم رأيت السيوطى ذكره ولم يتقدم لى فيه مطالعة، ولأن المأكول نبت من الطين، وما لم ينبت منه كاللحم غير الحوت فغذاؤه يكون مما نبت، واللبن أيضا مما غذاؤه مما ينبت من الطين، والنطفة تتولد من الغذاء، أو يقدر مضاف أى خلق أباكم من طين.
{ ثُمَّ قَضَى }: كتب { أجلاً } أجل الموت، بأن أمر ملك الأرحام عند وقوع النطفة التى يتولد بها الإنسان أن يكتب أجله كما كتبهُ الله قبل ذلك، وسبق علمه الأزلى به لا إله إلا الله.
{ وأجلٌ مُسمًّى } محدود معين عنده تعالى { عنده } وهو المدة بين موته وبعثه، كذا ظهر لى، ثم رأيته كذلك للحسن وقتادة والضحاك وابن عباس، وروى عنه أنه قال: لكل أحد أجلان أجل إلى الموت، وأجل من الموت إلى البعث، فإن كان الرجل يرى تقياً وصولا بالرحم زيد لهُ من أجل البعث فى أجل العمر، وإن كان فاجراً قاطعاً للرحم نقص من أجل العمر وزيد فى أحد البعث، بمعنى قضى لهُ فى الأزل بأن يطول عمره أو يقصر كذا، وقيل: الأجل الأول نفس الوقت الذى يموت فيه، والثانى نفس وقت قيام الساعة، فإن الأجل يطلق على الجملة، ويطلق على الجزء الأخير، ويطلق على الجزء الأول.
وقيل: الأول بمن مضى، والثانى لمن حضر فى الوجود، ولمن يأتى، وخص الثانى بكونه مسمى عنده، لأن من مضى قد علم أجله بخلاف غيره فإنه لا يدرى إلا الله قدر حياته حتى يموت، ولا مدخل لغيره فيه بعلم، وقال ابن عباس وابن عطاء: الأول للنوم، والثانى للموت، وخص بمسمى لذلك، وبقى لى الكلام على ثم، والخطاب فى خلقكم فأقول والله أعلم: الخطاب لمن فى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت الآية، فثم للترتيب فى الإسناد على أصلها، ويقاس من مضى ومن يأتى بهم وهو ظاهر على ما فسرت به الأجلين.
وأما على باقى الأقوال فلعلها للترتيب الذكرى، وأجل مبتدأ، ومسمى نعته، وعند خبر، وقدم المبتدأ لأنه المقصود بيانه لتعظيمه، وكذلك نكر ووصف بأنه مسمى لا يقبل النقص والزيادة، ولما لم يكن الأجل كذلك لم يستأنف به، بل جعل مفعولا لقضى، وقيل: الأجلان واحد، ولو كانا نكرتين معاً، وذلك تعظيم، والأصل أن يكون كل منهما غير الآخر فتنكيرهما، وكذا لو نكر الثانى وعرف الأول.
{ ثمَّ أنتم تَمتَرُون } تشكون فى البعث، وثم لاستبعاد الشك فى البعث بعد أن صح أن الله جل جلاله خالقهم وخالق أصولهم ومحييهم إلى آجالهم، فالبعث والخلق الأول سواء شرعاً وعقلا صحيحا، ولبادئ الرأى يكون البعث أسهل من الخلق الأول، فخلْقه السموات والأرض، وجعله الظلمات والنور، دليل للتوحيد، ولذلك رتب عليه التوبيخ لهم، إذ لم يوحدوا بقوله: { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } وخَلْقه الناس من طين دليل بعثهم.