التفاسير

< >
عرض

وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ
٣٥
-الأنعام

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وإنْ كانَ كَبُر عَليْك إعْراضُهم فإن اسْتطعتَ أن تبتَغى نَفقاً فى الأرضِ أوْ سُلَّما فى السَّماءِ فتأتِيهم بآيةٍ } أن الثانية وشرطها وجوابها المحذوف جواب الأولى، أى وإن كان شق عليك إعراضهم عنك وعن الإيمان بما جئت به، فإن استطعت أن تطلب سَرَباً فى الأرض وتحصله فتخرج لهم من جوفها آية، أو مصعدا فى جهة السماء فتنزل لهم آية منها فافعل، لفظ الآية مع ما حذف منها أمره صلى الله عليه وسلم بفعل ذلك إن استطاع، والمراد بيان شدة حرصه على إسلام قومه، حتى إنهُ لو قدر أن يأتيهم بآية من تحت الأرض، أو من فوق السماء، لأتاهم بها رجاء إيمانهم.
وقال الفخر: المقصود من هذا الكلام أن يقطع الرسول عليه الصلاة والسلام طعمه عن إيمانهم، وأن لا يتأذى بسبب إعراضهم عن الإيمان وإقبالهم على الكفر، وهذا عندى أولى، على أن المعنى لا يؤمنون، ولو فعلت ذلك كقوله تعالى:
{ { قل كونوا حجارةً أو حديداً } الآية، واختار بعضهم الأول، وفى الأرض نعت نفقاً، وفى السماء نعت سلماً، أو يتعلقان بتبتغى قبل، أو حالان من المستتر فى تبتغى، وليس كذلك، وفى على أصلها، ويجوز أن تكون الثانية بمعنى إلى.
{ ولوْ شَاء اللهُ } أن يجمعهم على الهدى، أو ولو شاء الله أن يؤمنوا كلهم. { لَجَمَعهُم عَلى الهدَى } ولكن لم تتعلق مشيئته بذلك، بل منهم كافر ومنهم مؤمن، وشقى وسعيد، وشكور وكفور،
{ { لأملأنَّ جهنم من الجنة والناس أجمعين } فلا تتهالك يا محمد على إيمانهم، لعلك باخع نفسك، فإن الله جل وعلا أراد إيمان المؤمن، وكفر الكافر، ولا تتبدل إرادته، وأحبَّ الطاعة وأمر بها، وأبغض المعصية ونهى عنها، والمعتزلة لما قالوا لا يريد الكفر قالوا: المعنى لو شاء الله أن يلجئهم إلى الإيمان إلجاء لأتاهم بآية تلجئهم، ولكن لا حكمة فى ذلك، لأن إيمان الإلجاء لا ثواب له ولا مدح.
{ فلا تكونَنَّ مِنَ الجاهِلينَ } بالحرص على ما لا يكون، والتحزن على أمر أراد الله إمضاءه، وهو كفر فمالك إلا التزام الصبر، واحتمال المشقة، فإن الجزع فى موطن الصبر من عادة الجاهلين، قال صلى الله عليه وسلم:
"إذا أصاب أحدكم هم أو حزن فليقل: الله ربى لا أشرك به شيئاً سبع مرات" أو المعنى لا تكون ممن جهل أنهم لو شاء الله لجمعهم على الهدى، وقال المهدوى: الخطاب فى المعنى لأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وضعف لأنهُ خلاف الظاهر، والتأويل خلاف الظاهر، ولكن مثله وارد، كقوله تعالى: { { إما يبلغنَّ عندك الكبر } } { { لئن أشركت ليحبطن عملك } وقيل المعنى لا تجزع على إعراضهم عنك فتقارب حال الجاهلين الذين لا صبر لهم.