التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ
٤٤
-الأنعام

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ فلمَّا نسُوا ما ذُكِّرُوا بهِ } أى تركوا ما وعظوا به، أو تركوا العمل بما أمرتهم الرسل بالعمل به كذا قيل، والمناسب لما قبله أن يكون ما ذكروا به البأساء والضراء، والنسيان قيل: حقيقة فى الترك ولو عمداً، وفى الذهاب عن الحافظة، وقيل: حقيقة فيه مجاز فى الترك عمداً بأن شبه الترك عمداً بالترك نسياناً مبالغة، لأن الزائل عن الحافظة ليس فى الحافظة.
{ فَتحْنَا } وقرأ ابن عامر بالتشديد فى جميع القرآن، فوافقه يعقوب فى غير هذا، والذى فى الأعراف { عَليهم أبْواب كلِّ شئٍ } من النعم أى مخارج النعم مثل أن يثمر لهم الأرض والشجر، وينمى لهم الضرع والبطن امتحاناً بالرخاء بعد الامتحان بالشدة، واستدراجاً، وقال عليهم للكثرة إذ غمرهم فى الخيرات، وغلب عليهم، وقيل: بدلنا مكان البأساء الرخاء والسعة فى الرزق، ومكان الضراء الصحة والسلامة، أخذهم وألا بالمكروه ليتضرعوا، وثانياً بالمحبوب ليشكروا ولم يفعلوا، وذلك إلزام للحجة، وإزاحة للعذر، وهو متضمن للمكر بهم، قال صلى الله عليه وسلم:
"مكر بالقوم ورب الكعبة" قال عقبة بن عامر: إن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيت الله تعالى يعطى العباد ما يشاءون على معاصيهم فذلك استدراج، ثم تلا فلما نسوا ما ذكروا به" الآية.
{ حتَّى إذا فَرحُوا } فرح بطر واشتمال عن الشكر بالمعاصى { بما أوتُوا أخذْناهُم } استأصلناهُم إلينا { بغتة } فجأة { فإذا هم مبْلسُون } منقطعون عن الرجاء، قال بعض السلف: قلما أخذ الله قوماً قط إلا عند سلوتهم وغبطتهم، أغفل مما يكونون فيجيئهم أعظم إياس عند أعظم أمن، قال الحسن: ومن وسع الله عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأى له، ومن فتر فلم ير أنهُ ينظر إليه فلا رأى له، ثم قرأ عليه الآية، وقال الزجاج: المبلس الشديد الحزن والحسرة وقيل: المطرق برأسه من الحزن.