التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ يَقُصُّ ٱلْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَٰصِلِينَ
٥٧
-الأنعام

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قلْ إنَّى عَلى بيِّنةٍ من ربِّى } على دليل من ربى صرت به موقنا بالحق، مميزاً له من الباطل، وذلك الدليل هو الحجج النقلية والعقلية والنقلية، كالقرآن وسائر الوحى، وما يقول مسلموا علماء أهل الكتاب والعقلية كمخلوقات الله تعالى، وعدم فساد السماوات والأرض، وتفسير ابن عباس البينة باليقين تفسير باللازم، لأن الكون على البينة تستلزم اليقين، وقيل: البينة الدلالة الواضحة لا نفس الدليل، وقيل: القرآن، ومن ربى نعت بينة، ومن للابتداء أى بينة ثابتة من ربى، أو آتية من ربى، أو بينة من معرفة ربى، وعلى هذا فمن للبيان.
{ وكذَّبتُم به } أى بربى، لأن جعل الشريك لله تعالى تكذيب له، وإبطال بالمعنى، بل هو أيضا تكذيب لقوله تعالى: { لا إله إلا الله } وقوله: { لا إله إلا أنا } ونحو ذلك مما يدل على التوحيد، ويجوز عود الهاء للبينة باعتبار أنها بمعنى الدليل أو البرهان أو البيان الواضح، أو باعتبار وقوعها على القرآن.
{ ما عِنْدى ما تسْتعجلُون به } من العذاب، فما واقعة على العذاب، والهاء عائدة إلى ما، وكانوا يقولون:
{ { فأسقط علينا كسفا من السماء } و { { يستعجلونك بالعذاب } وقالوا: { { عجِّل لنا قطنا } قبل عذابنا { { ائتنا بما تعدنا } } { { فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } ونحو ذلك، فقال الله جل وعلا: قل لا قدرة لى على الإتيان بعذابكم، وإنما هو بيد الله جل وعلا، ويناسب هذا أن التكذيب يدل على أنهم قارفُوا ما يوجب العذاب، إلا أنه ليس عندى، وأن الاستعجال لم يأت فى القرآن إلا للعذاب، وقيل: ما واقعة على ما اقترحوا من الآيات، وهاء به لا بدّ عائدة إلى ما، وقيل: ما واقعة على قيام الساعة كذلك.
{ إنِ الحُكْم إلا لله } فى تعجيل العذاب وتأخيره إثابة المطيع، وتعذيب المصرّ، والفصل بين المحق والمبطل. { يقصُّ الحقَّ } يقول الحق أو لا يخالف الحق، وذلك من قولهم: قص الحديث أى ذكره، أو من قص الأثر بمعنى تبعه، أو بمعنى يقطع الحق، أى يفصله من الباطل وينفذه من قولك قصصت الشئ بمعنى قطعته، وهذه قراءة نافع وابن كثير، ويقال لهما: الحجازيان، لأنهما فى الحجاز، والحرميان لأنهما فى الحرم، فنافع فى حرم المدينة لأنه فيها، وابن كثير فى حرم مكة لأنه فى مكة، وبها قرأ عاصم، وقرأ الأخوان الكسائى وحمزة، وغير الأخوين يقص بإسكان القاف وكسر الضَّاد معجمة من قضى يقضى حذفت الياء من الخط تحقيقاً على الكاتب وتبعاً لحذفها من النطق للساكن بعدها.
كما حذفت فى قوله تعالى:
{ { وسوف يؤت الله المؤمنين } وقوله تعالى: { { فما تغن النذر } وقوله تعالى: { كذلك حقاً علينا ننج المؤمنين } وقوله تعالى: { { بالواد المقدس } وقوله تعالى: { { بالواد الأيمن } وقوله تعالى: { { إلا من هو صال الجحيم } وقوله تعالى: { { وإن الله لهاد الذين آمنوا } فى الحج، وقوله تعالى: { { وما أنت بهاد العمى } فى النمل، وكما حذفت الواو فى قوله تعالى خطأ تبعاً للنطق: { { يوم يدع الداع } } { { ويمح الله الباطل } و { { سندع الزبانية } } { { ويدع الإنسان بالشر } وقوله تعالى: { { وصالح المؤمنين } على أن المراد الجمع، والمعنى فى هذه القراءة أنه يقضى القضاء الحق، أو يثبت الحق، أو يصنع الحق، يقال: اقض قضى درعاً أى صنعها أو يفعله ويفرغه منه.