التفاسير

< >
عرض

فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ
٧٨
-الأنعام

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ فلمَّا رأى الشَّمس بازغةً قالَ هَذا ربِّى } ذكر بلغته عليه السلام أن هذا الشئ المنير الطالع ربى، وإذا ذكره عنه الله تعالى مذكراً مع أن الشمس مؤنث، لأن المؤنث المجازى يؤنث فى الإشارة، أو ذكره الله تعالى لتذكير الخبر، والمراد أن هذا الطالع ربِّى، وأن هذا الكوكب ربِّى، فإن الشمس كوكب يزول به الليل، واختير أن يقال ذلك صيانة عن التأنيث فى حق الله، كما يقال: الله علام الغيوب، ولا يقال علامة مع أن علامة أبلغ لصورة تاء التأنيث، ولو كان يستعمل فيما ذكره.
{ هذا أكبر } من الوكب والقمر، فإن كان فى الكواكب شئ من الآلهة فهو الشمس، وذلك منه مجاراة للخصم حتى يعثر وقد عثروا، وافتضحوا بقوله الذى ذكره الله عنه جل وعلا وهو قوله:
{ ولما أفلَتْ قالَ يا قَوْم إنِّى برئٌ مما تُشْركونَ } مما تشركونه بالله تعالى من مخلوقاته، أو برئ من إشراككم، وإنما احتج فى الشمس بالأفول على أنها ليست رباً لا بالبزوغ، مع أن البزوغ أيضا انتقال وتحرك لزيادة دلالة الأفول على دلالة البزوغ، بأن الأفول احتجاب، والمحتجب لا يكون رباً لزوال حكمه عن مربوبه إذا احتجب، والبزوغ ولو دل على الاحتجاب لكن مشاهدة الاحتجاب بعد الظهور وهو الأفول أعظم دلالة من احتجاب المنزه عن البزوغ، ولأن فى الأفول انتقالا من القوة إلى الضعف، بخلاف البزوغ، وأيضا بينما هو فى النظر والتفكر وقع بصره على كوكب مضئ بعيد، ولما رآه انتقل إلى الأفول من الحضور علم أنهُ غير إله لانتقاله من القوة إلى الضعف.
ثم طلع القمر فى أثناء تقرير هذا الدليل، فأعاد ذلك الكلام، وكذا الشمس وأفول النجم والقمر حقيق كأفول الشمس، والمتحقق فى مجلس المناظرة هو الأفول دون البزوغ فاحتج به، ولو صلح البزوغ للاستدلال، وقيل: سهر الليل كله، فلما بزغت الشمس زال ضوء القمر قبلها لانتشار ضوئها، أو دنا من مغربه فسمى ذلك أفولا لقربه من الأفول التام على تجوز فى التسمية، وهذا الترتيب يستقيم فى الليلة الخامسة عشر من الشهر إلى ليلة عشرين، ولو قدرنا هذا الترتيب بغيوب القمر فى مغربه لم يغب إلا بعد طلوع الشمس، ولما بطل أن تكون الأشياء المذكورة آلهة لم يبق أن يكون إلهاً إلا الله فقال: