التفاسير

< >
عرض

وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
٨٤
-الأنعام

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ووهبْنا له إسْحاقَ ويعْقُوبَ كلاًّ هَديْنا } بدين الإسلام، وقيل: للنبوة والرسالة، أو حذف للعموم لكل خبر تصلح الهداية إليه ولذلك فى قوله: { ونُوحاً هَديْنا مِنْ قَبَلُ } أى الأمر قبل إبراهيم، وقد صح أن الهداية المخصوصة بالأنبياء هى الإرشاد إلى أمر النبوة والرسالة، فتحتمل عليها هدايتهم حيث ذكرت، لما ذكر إبراهيم عليه السلام بذكر احتجاجه على المشركين فى إبطال الأصنام كاحتجاج رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو جده، وإليه انتسب العرب قريش وغيرهم، وتنتحل أنهُ على دينه، فبين الله بذلك أنه لا يعبد الأصنام، وأنه يقول ابنه محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك قدمه ناسب أن يذكر من وهب له من الأنبياء وهو إسحاق، فإنهُ ابنه من صلبه، ويعقوب ابنه بواسطة إسحاق، فإن يعقوب ابن إسحاق، ولما اجتمع ذكرهم متقدماً لما ذكر مع تأخر زمانهم، ناسب أن يضم إليهم من يجتمع معهم فى أمر معهم معتبر، ولو تقدم زمانه وهو نوح عليه السلام، وهو أنهم أصول الأنبياء، ولا يخفى ذلك فى نوح وإبراهيم فأنبياء بنى إسرائيل من ذرية إبراهيم، وذلك فضيلة لإبراهيم، لأن فضل الولد يتعدى للوالد، وكذا كون نوح أباً له فضيلة له، لأن فضيلة الولد تتعدى للولد، والمقام لذكر فضائل إبراهيم عليه السلام، فإنه أنعم عليه بالحجة على قومه، ويرفع درجاته { نرفع درجات من نشاء } ويجعل أشراف الأنبياء من نسله.
{ ومِنْ ذُرَّيته داودَ وسُليمانَ } جمعهما بأن أحدهما أبو الآخر، ولتوافقهما فى أمر آخر مهم يلى النبوة وهو الملك، وكذا القدرة والسلطان، وسليمان أشد سلطاناً، والهاء فى ذريته عائدة إلى إبراهيم عليه السلام، وقيل إلى نوح وهو مذهب الجمهور، لقرب ذكره، ووجه الأول أن الكلام مبنى على فضائل إبراهيم، وإبراهيم أقرب زماناً إلى داود وسليمان، وكلاهما مذكور، واختير قول الجمهور، لذكر لوط وهو ليس من ذرية إبراهيم بل ابن أخته، وقيل ابن أخيه، لكن يحتمل أن يقدر له هدينا، وكذا يونس ليس من ذريته، أو يعطف على "نوحاً" فقد تسلطت عليه الهداية، أو على إسحاق فتسلط عليه الهبة، ومن تتعلق بمحذوف حال من داود وسليمان، ومن للتبعيض، ويجوز تعليقها بوهبنا محذوفاً ناصباً لداود وما بعده كله، ومن للابتداء، ويدل للعطف على كلا أو على "نوحا" أن لوطا ويونس لم يوهبا لإبراهيم، فالعطف على من ذكر بالهداية لا على ما يرسم الهبة، إلا أن يقال: إنهما موهوبان له بالقيام بشرعه، وليسا ذرية له، أو يقدر لهما هدينا محذوفاً، وينصب الباقى على الهبة.
{ وأيُّوب ويُوسفَ } جمعهما لأنهما جميعاً بليا بالمحن الشديدة المتطاولة فصابراها، وأورثهما الصبر الجميل الملك، فليوسف ملك مصر، ولأيوب أهله ومثلهم معهم، ومطمورة ذهباً وهو أيوب بن أحوص بن رازح ابن رو بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم { ومُوسَى وهَارُون } جمعهما الله لكثرة المعجزات والبراهين، وكلاهما رسول وهما أخوان فى زمان واحد، وهارون تبع لموسى عليهما السلام فى المعجزات والبراهين.
{ وكذلك نَجْزى المحْسِنين } كما جزينا إبراهيم على توحيده وصبره لأذى قومه نجزى داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون على إحسانهم،فهم المراد بالمحسنين وضع الظاهر موضع المضمر ليوصف بالإحسان أو يجزيهم بكثرة الأولاد أو بالنبوة فيهم، ورفع الدرجات كما فعلنا ذلك بإبراهيم، وإذا جزاهم فأولى أن يجازى نوحاً.