التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ
١١
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ولَقَد خَلقْناكم ثمَّ صوَّرناكُم } أى خلقناكم فى آدم، ثم صورناكم فى بطون الأمهات، أو حكمنا بخلقكم ثم صورناكم فى البطون، أو صورناكم بمعنى أوجدناكم، وكل جسم يستلزم صورته، أو خلقنا آباءكم أولا، ثم صورناكم ثانيا، وبه قال ابن عباس وقتادة والضحاك والربيع بن أنس، وثم فى ذلك كله للترتيب والمهلة، أو خلقناكم فى البطون، أو صورناكم فيها فهى على أصلها من الترتيب والمهلة إذا أريد بالتصوير تصوير الأعضاء، وإلا فهى بمعنى الواو أو ترتيب الأخبار بلا مهلة.
{ ثم قُلْنا للملائِكة اسْجدُوا لآدَم } ثم هذه لترتيب الأخبار بلا مهلة، ويجوز أن يكون فى الموضعين لترتيب الأخبار مع مهلة معنوية، فإن التصوير بصور حسان، وتفضيل آدم على الملائكة بالإسجاد له، أمران عاليان علو شأن، أو خلقنا أباكم آدم طيناً غير مصور، ثم صورناه فحذف المضاف من الأول، ولم يراع فى الثانى، ولو روعى لقيل ثم صورناه، أو جعل خلقه وتصويره خلقا وتصويرا لنا، لأنه مشتمل علينا، أو ابتدأنا خلقكم، ثم تصويركم بخلق آدم وتصويره، فثم على هذه الأوجه على أصلها من الترتيب والمهلة.
وعن مجاهد: خلقناكم فى صلب آدم، ثم صورناكم أمثال الذر، وبعد ذلك أمر بالسجود، فثم على أصلها، وقال الأخفش: ثم فى هذه الآية بمعنى الواو، وقال عكرمة: خلقناكم فى ظهور الآباء، وصورناكم فى بطون الأمهات، فثم الأولى على أصلها والثانية بمعنى الواو، أو لترتيب الأخبار، وهذا السجود بمعنى التعظيم والتحية، وقيل: سجود حقيق لله كان إلى جهة آدم تعظيما له كالكعبة، وقيل: سجود حقيق لآدم كان بأمر الله، وأمر به جميع الملائكة، وقيل: بعضهم، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: بضم تاء الملائكة، ووجهها عندى التبعية لجيم اسجدوا، وأن السين كأنه غير فاصل لسكونه، كما قرأ بعض الحمد لله بكسر الدال تبعا للام، ومعنى التبعية هنا جعل الأول موافقا للثانى، وقيل وجهها نقل ضمة همزة اسجدوا إلى التاء، ويرده أنها همزة وصل لا تثبت فى الدرج فضلا عن أن تحرك وتنقل حركتها.
{ فسَجدُوا إلا إبليسَ } استثناء منقطع، فإن إبليس ليس ملك، ولكن قد أمر بالسجود، وقد زعم بعض أصحابنا أن من قال إبليس مَلكاً أشرك، وعن بعض أن الاستثناء متصل، والإلزام أنه لم يؤمر بالسجود، وأجيب بأنه أمر بغير اسجدوا المذكور، ووجه كونه متصلا أنه مَلَك عند هذا البعض، أو أنه مقدر الذكر قبل، فالأصل: وإذ قلنا للملائكة وإبليس، أو أنه كأنه منهم لكونه معمورا فيهم متعبدا بما تعبدوا فيه فشمله الأمر، ولو لم يكن فيهم فإنه من نار وهم من نور، وقيل: هو ملك من ملائكة تسمى الجن وقوله: { لم يَكُن مِنَ السَّاجِدينَ } تأكيد لعدم سجوده وزيادة ذم له.