التفاسير

< >
عرض

سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ
١٤٦
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ سأصْرفُ } أمنع بالطبع على القلوب { عَنْ آياتى } كلما يدل على وجود الله ووحدانيته ورسالة رسله، وسكن بن عامر وحمزة الياء { الَّذينَ يَتكبَّرونَ } يدعون أنهم أعظم من غيرهم شأنا وفضلا { فى الأرْض بغَيرِ الحقِّ } حال من الواو، أى يتكبرون مبطلين لا محققين وهى مؤسسة باعتبار أن الناس كانوا لا يعرفون أن التكبر الحق مختص بالله، أو باعتبار أن التكبر قد يكون بحق كالكبر عن الفساق بفسقهم، ومؤكدة بقطع النظر عن ذلك إلى أن من يتكبر وحق له التكبر على الإطلاق هو الله، أو يتعلق بيتكبرون أى يتكبر بما ليس حقا من دينهم الباطل، وبما لا مدخل له فى الفضل: كمال وولد وجاه، فإن الفضل بالتقوى، وذلك التكبر أخذ من قلوبهم مكانه فلم يمكنهم التفكر والاعتبار فى الآيات، وذلك خذلان من الله عقابا على تكبرهم، وذلك دليل على أن الضلال من الله باختيار من العبد فى فعل ما يوجبه، وكذا الهدى.
واعلم أن الانهماك فى الشهوات مشغل عن الآيات، قال صلى الله عليه وسلم:
"إذا عظَّمت أمتى الدنيا نُزعت هيبة الإسلام، وإذا تركوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر حرمت بركة الوحى" أو سأصرفهم عن إبطال آياتى وان اجتهدوا فيه كما كان أبو جهل يجتهد فى إبطال ما يجىء به سيدنا محمد بنحو تسميته سحرا، وكما كان فرعون يجتهد فى إبطال آيات موسى التسع فأعلى الله الآيات وأهلكهم، وقد جمع فرعون السحرة لإبطال آية موسى فانتكس عليه الأمر، أو سأصرفهم عن الطعن فى الآيات والاستهانة بها، وتسميتها سحرا بإهلاكهم.
وقال سفيان بن عيينة: سأصرفهم عن فهم القرآن، وقيل عنه: الآيات آيات كل كتاب، وعلى كل حال فالآية عامة، وذلك قول الأكثر، وقيل: إن ذلك من جملة ما قيل لموسى، وإن الآيات آياته التسع، والمتكبرون فرعون وقومه، وعلى كل قول ففى الآية إنذار للمتكبرين أن يترك التكبر لئلا يسلك بهم ذلك المسلك السيىء.
{ وإنْ يَروْا } وقرأ مالك بن ديناررحمه الله بالبناء المفعول من أرى الرباعى، والعطف على يتكبرون، أى الذى من صفتهم التكبر وعدم الإيمان بالآيات، واتخاذ سبيل الغى لا الرشد سبيلا { كُلَّ آيةٍ } من آيات كتب الله أو كل معجزة { لا يؤمنُوا بها } لعنادهم، أو لاختلال عقولهم بانهماكهم فى الهوى والتقليد، وهذا يقوى أن الصرف المذكور الطبع على القلب.
{ وإنْ يَروْا سَبيلَ الرُّشدِ } طريق الصواب، وقرأ ابن عامر فى رواية عنه، وأبو البرهسم بضم الشين اتباعا للراء أو جمعا للرشد بالإسكان، أو للرشاد، وقرأ حمزة والكسائى بفتح الراء والشين، وقرأ أبو عبد الرحمن فيما ذكر أبو حاتم الرشاد والمعنى واحد، وقال المعرى: الرشد بضم الراء وإسكان الشين الصلاح فى النظر وبفتحهما أو مع ألف فى الدين { لا يتَّخذوهُ } وقرأ ابن أبى عبلة لا يتخذوها، لأن السبيل يذكر ويؤنث { سَبيلاً وإنْ يَروْا سَبيلَ الغىِّ } خلاف الرشد { يتَّخذوهُ } وقرأ ابن عبلة يتخذوها { سَبيلاً } والسبيلان مستعاران، أى لما يأخذ به الإنسان فينجوا ويهلك، والقرينة الرشد والغى، أو شبه ما ينجو به فى الآخرة، أو يهلك بما ينجو به فى الأرض، أو يهلك تشبيها مضمرا فى النفس.
وذكر السبيل رمز، وأولى من ذلك أن يجعل الكلام كله استعارة تمثيلية بأن يشبه ركوب الخطأ فى الديانة، والإعراض عن الصواب فيها بالإعراض عن الطريق المستقيم فى المفازة، والأخذ فى غيره المهلك على العمد، ولا أسفه من فعل ذلك ولا أشد استيلاء من الشيطان عليه منه.
{ ذَلكَ } الصرف والمذكور من عدم الإيمان واتخاذ سبيل الغى لا الرشد سبيلا، مبتدأ وقوله: { بأنهم } بسبب أنهم { كذَّبُوا بآياتنا } خبره، أو مفعول لمحذوف أى فعلت ذلك، لأنهم الخ، أو مفعول مطلق لمحذوف، أى صرفتهم ذلك الصرف، وإن قلت: كيف يكون صرفهم عن الآيات بسبب تكذيبهم بالآيات؟
قلت: على أن المراد بآيات الأولى غير المراد بالثانية، أو على أن المعنى نصرفهم عن الاتعاظ بها، لأنهم كذبوا بها { وكانُوا عَنْها غَافلينَ } غير متوجهين إلى النظر فيها.