التفاسير

< >
عرض

وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ
١٨٣
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وأمْلِى } معطوف على مدخول السين فهو مستقبل، فكأنه قيل وسأملى { لَهم } أى أمهلمهم ولا أعاجلهم بالعقوبة، وإن قلت: الإملاء واقع فى الحين مستمر إلى ما شاء الله، فما معنى الاستقبال؟
قلت: الإملاء إبطاء وليس موجود فى الوقت، بل لا يحصل حتى يمضى زمان واسع، ولك أن تقول: المضارع هنا للحال المستمر، فيكون العطف على السين وما دخلت عليه، فلا يتسلط عليه الاستقبال.
{ إنَّ كَيْدى } أى أخذى، وسماه كيدا مع أن الكيد الخداع بالأخذ تشبيها بالكيد، لأنه فى الظاهر إحسان، وفى الباطن خذلان، وقرأ عبد الحميد، عن ابن عامر: بفتح الهمزة على تقدير لام التعليل { مَتينٌ } شديد قوى، قيل: هو من المتن الذى يحمل عليه وهو الظهر، وزعموا أن الآية نزلت فى المستهزئين من قريش، أمهلهم ثم قتلهم فى ليلة واحدة، وزعم بعض أن { أملى لهم } منسوخ بآية السيف، وأن المعنى لا آمرك بقتالهم أو لا أقتلهم بيدك، وهذا خطأ فإن النسخ لا يدخل الاخبار، وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا ليلا، فجعل ينادى قريشا فخذا فخذا: "يا بنى فلان، إنى لكم نذير مبين" وحذرهم بأمر الله، فلما أصبحوا قال قائلهم: إن صاحبكم لمجنون، بات يصوت إلى الصباح، ألا ترون دوامه على ذلك، ومخالفته لكم قولا وفعلا وعزوف نفسه عن الدنيا ولذاتها فنزل: { أوَلَم يَتَفكَّرُوا... }