التفاسير

< >
عرض

ويَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ
١٩
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ويا آدم } أى وقال الله بعد هبوط إبليس يا آدم { اسْكُن } أى دم على السكون، وهكذا من أمر بشىء وهو منسوبه، وقيل إنه قيل له ذلك قبل دخول الجنة، وبعد خلق حواء، ويحتمل أنها خلقت بعد الدخول، فيكون الخطاب على هذا القول للموجود والمعدوم وهو بعيد { أنْتَ وزوْجُك } حواء { الجنَّة فَكلا مِنْ حيثُ شِئْتُما } وقال فى البقرة: { وكلا } بالواو، فالمعنى على الواو مطلق الأكل، وعلى الفاء الأكل المترتب على السكون الأول جنس، والثانى نوع ولا منافاة بين النوع أو الجنس.
{ ولا تَقْربا هذِه الشَّجرةَ } لا تأكلا منها، فنهاهما عن قربها مبلغة، والمراد بالشجرة نوع من الشجر، وذلك النوع الحنطة أو غيرها على ما مر، تقول: أصاب الناس الدينار والدرهم، تزيد الدنانير والدراهم، وقيل: شجرة واحدة معينة، وليس فى الجنة سواها من نوعها وهو المتبادر إلى الأفهام، وأخطأ من قال: إن آدم ظن أن النهى متعلق بشجرة واحدة معينة، فأكل من النوع فلم يعذر، ووجه خطئه أنه إنما أكل ليكون ملكا أو خالدا، فكيف يطلب الملكية والخلود بالأكل من غير ما كان النهى عن الأكل منه، لئلا يكون ملكا أو خالدا إلا أن يقال: أراد هذا القائل أنه أسير إلى النوع فى ضمن فرد، فتساهل فى غير الفرد، وهاء هذه بدل من الياء لتصغيره على ذيا، وقرأ ابن محيصن هذه الشجرة بالياء على الأصل { فتَكُونا } بالنصب فى جواب النهى قيل، أو بالجزم عطفا على تقربا وهو ضعيف من جهة المعنى.
{ مِنَ الظَّالمينَ } لأنفسهم بالذنوب، فصل الأشياء قبل ورود الشرع حكمها عندنا وعند معتزلة بغداد وابن أبى هريرة على الحصر أى المنع والتحريم، وعند الشيخ أبى يحيى زكريا بن أبى بكر ومعتزلة البصرة وطائفة من الحنفية والشافعية على الإباحة، واختاره الإمام أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم، وعند الأشعرى على الوقف، وذكر الثعالبى أنه إذا نزلت نازلة لم توجد فى كتاب الله ولا فى سنة نبيه ولا فى الإجماع، فبعض يحملها على الإباحة، لأن الله قد بين ما حرم فلم يكن ليدع محرما، ويخفى علينا تحريمه، وبعض يحملها على الحضر استبراء كيف تقدم على الإباحة بلا نص، وقد نص الله على أشياء فحللها، ولم يذكر تحليل النازلة.
وبعض قال بالوقف عن حكم الله فيها ما هو، وبالنظر فيها، القياس وهو الصحيح، والعقل يحسن ويقبح عند عدم الشرع عندنا وعند المعتزلة إلا قليلا منهم، قالوا نفرض زمانا لا شرع فيه، أو رجلا نشأ فى موضع لم تبلغه الأحكام من أمر ونهى، أو نقدر آدم بعد هبوطه إلى الأرض قد ترك وعقله قبل أن يؤمر وينهى، قال بعض: يستحسن العقل حظر الأشياء عن ذلك حتى ترد الإباحة، لأن استباحتها تعد فى ملك الغير، وذلك قبيح فى حق المخلوق، فكيف فى حق الله الذى هو أعظم حرمة، واستثنى بعضهم التنفس والحركة.
وقيل: يحسن العقل إباحتها، لأن التحكم فى ملك الغير بوجه لا ضرر فيه كالاستقلال بالحدرات مباح، فهو فى ملك الله أشد إباحة لأنا عبيده، ولعظم جوده، ولا يلحقه شىء من ذلك.
قالت المالكية والشافعية والحنفية والحنبلية: لا يحسن العقل ولا يقبح، وعن بعضهم أن آدم قد توجهت عليه الأوامر والنواهى بعد الهبوط وقبله، فانه لما جرى الروح فى جسده عطس، وأمر أن يقول: الحمد لله، وقد قال له اسكن، وكُلْ ولا تقرب، قال فى السؤالات: خلق الله آدم بالغا صحيح العقل مكلفا للأمور منهيا، وقيل: كلما ركب فيه جزء من العقل كلفه ما قابل ذلك الجزء، وقيل: أبقيت له مهملة مثلنا.