التفاسير

< >
عرض

وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٨
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ والوزْنُ } وزنُ الأعمال وهو الجزاء عليها، والإخبار بكميتها وأعيانها، أو المراد القضاء والحكم { يَومئذٍ } أى يوم نسأل الذين أرسل إليهم والمرسلين وهو متعلق بالوزن { الحقُّ } خبرا، ويوم متعلق بمحذوف خبرا أى ثابت وظاهر يومئذ، والحق نعت للوزن، والأول أولى لسلامته من الفصل بين النعت والمنعوت بالخبر، وقرئ والوزن يومئذ القسط.
وقال جمهور المخالفين: إن الميزان ميزان كفة وعمود ولسان، فقيل: توزن فيه صحف الأعمال وهو الصحيح عندهم، ونسب للأكثر، وقول تتجسم الحسنات صورا بيضا، والسيئات سوداً، فتوزن، ونسبوه لابن عباس، وقيل: يخلق الله الثقل والخفة فى الحسنات والسيئات بدون أن يردها أجساما، كما أن جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم يثقل بالوحى فى وقت الوحى، حتى إن ناقته لتبرك به عجزاً.
وعن زيد بن ثابت: كنت أكتب حتى نزل:
{ { غير أولى الضرر } وفخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذى حتى كادت ترض فخذى، وبذلك قال أبو المعالى ورجح، واستدل القائلون بأن الميزان ميزان كفة وعمود ولسان، بأن ذلك هو ظاهر القرآن والحديث، والحمل على الظاهر والحقيقة أولى، بل متعين ما لم يكن مانع ولا مانع هنا، وبأنه صلى الله عليه وسلم قال لبعض الصحابة لما قال له أين أجدك: "اطلبنى عند الحوض وان لم تجدنى فعند الميزان" وكذا قال لفاطمة رضى الله عنها، وخاطبها بخطاب الأنثى، ولو لم يكن الميزان محسوسا لما أحال على الطلب عنده.
والجواب: أن حمل الميزان على التمييز والجزاء ولو كان مجازاً أولى، لأنه أسهل فى فهم العقل وأفصح وأسلم من رد العرض جسما، ولو كان الله على كل شىء قديراً، أو لا دليل فى الحديث لجواز أن يقول: اطلبنى عند محل إظهار الجزاء والتمييز، وقالوا: أراد الله أن يظهر لعباده تحرير النظر وغاية العدل بأمر قد عرفوه فى الدنيا وهو الميزان، تأكيدا للحجة، وقطعا للمعذرة، وانظر سورة الأنبياء، وذلك كما استنتج الأعمال واستنطق الجوارح بها، واستشهد عليها مع علمه الذى لا يزول.
وعن بعضهم: توزن الأشخاص لقوله صلى الله عليه وسلم:
"إنه ليأتى الرجل السمين العظيم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة وليس بشىء" لأن المراد الإعلام بأن المعتبر يوم القيامة الأعمال الحسنة لا عظم الجسم وحسنه، وليس القول بشىء من تلك الأقوال بمكفر نفاقا ولا شركا، ولكن الذى نعتقده ما ذكرته أولا، لكن لما لم يعرف البشر شيئا أكثر تحريرا من الوزن، عبر به وهو موجود فى كلامهم قال أبو طالب:

بميزان قسط لا ببخس شعيرة له حاكم من نفسه غير عائل

وبه قال مجاهد والضحاك، وعليه فالخفة والثقل مستعاران لكثرة الحساب والجزاء والأعمال، وقلة ذلك.
{ فمَنْ ثَقُلت مَوازينُه } جمع موزون، والمراد الحسنات وهو قول مجاهد، أو جمع ميزان وعليه فإنما جمع تعظيما، أو باعتبار اختلاف الموزونات وتعدد الوزن، كما تجمع الشمس باعتبار الأيام، فجمع الميزان تنبيها على تعدد الموزونات وكثرتها مبالغة، وقيل: جمع لاشتماله على الكفتين والشاهون واللسان، ولا يتم الوزن إلا بذلك كله، فلكل منه نصيب فى الوزن، فكان كل واحد منه ميزان، وعن الحسن: لكل عبد يوم القيامة ميزان على حدة، قال بعضهم: وهو مردود، وقيل: جمع تعظيماً، وقيل: لكل أحد موازين كل نوع من العمل بميزان، وصاحب الموازين يوم القيامة جبريل عليه السلام فيما نسبوه لحذيفة بن اليمان رضى الله عنه.
{ فأُولئِك هُمُ المفْلحُون } المدركون لبغيتهم، الفائزون بثواب الله، الناجون مما يحذرون.