التفاسير

< >
عرض

وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ
٨٤
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وأَمْطَرنا عَليهم مَطراً } نكر للتعظيم وهو حجارة معجونة بالكبريت والنار، رجموا بها، ووصلتهم بإذن الله بعد قلب الأرض بهم، أو قلبت الأرض بهم ورجم بها من كان خارج القرية أو القرى من مسافر فى بر أو بحر، وغير مسافر كطالب الحشيش أو الكلأ قال أبو عبيدة المذكور: يقال فى العذاب: أمطر، وفى الرحمة مطر، والصحيح أنهما فى الخير والشر جميعا، ويقال أيضا: مطره بدون همزة بمعنى أصابه بمطر، وأمطرته بالهمزة أرسلته كالمطر، وأمطرت عليه أرسلت عليه، ومن أمطر فى الخبر "هذا عارض ممطرنا" لأنه ظنوه سحابة ماء يرحمون بها، نعم الأكثر فى أمطر أن يكون فى الشر.
{ فانْظُر كَيفَ كانَ عاقبةُ المجْرمينَ } المشركين، كانت تدميرا عليهم وتصبيرا إلى النار، وجملة كان واسمها الذى هو عاقبة، وخبرها الذى هو كيف مفعول لانظروا، وإنما كان مفعوله جملة للاستفهام، وذلك نوع من التعليق، وجاز كان مع اسمه مؤنث لأنه ظاهر مجازى التأنيث.
قال فى عرائس القرآن: إن لوطا هو بن هارون بن تاريخ، وهو ابن أخى إبراهيم، فإبراهيم عمه، وروى لوط بن هاران وليس هارون المذكور أخا موسى، فإنه متأخر عن لوط، وسمى لوطا لأن حُبَّه لاط بقلب إبراهيم أى التصق به وتعلق، وكان إبراهيم يحبه حبا شديدا، يقال: الولد البر ألوط بالقلب، وهاجر لوط مع عمه إبراهيم عليهما السلام من بابل إلى الشام ومعهما سادة، اسمه سنان بن علوان بن عبيد بن خوخ بن عملاق بن لاود بن سام ابن نوح، فخرجوا حتى وصلوا أرض الشام.
فنزل إبراهيم فلسطين، ونزل لوط الأردن بضم الهمزة واسكان الراء وضم الدال وتشديد النون، وهى بأعلى الشام، فأرسله الله إلى سدوم وما يليها، وكانوا أهل كفر وفواحش، وكانوا يتناكحون فى مجالسهم وطرقهم ويتضارطون فيها، ويرمون من مر بهم بالحصى، ونهاهم عن ذلك وأمرهم بالإيمان والطاعة، وأوعدهم على ما هم عليه إن لم يتوبوا فزادهم ذلك عتواً، واستعجلوا العذاب تكذيبا، فبعث الله جبريل وميكائيل وإسرافيل لإهلاكهم وتبشير إبراهيم بإسحاق، وأخبروه قوم لوط، ووصلوا سدوم فلقوا لوطا فى أرض له يعمل فيها رواه قتادة.
وعن حذيفة: أن الله تعالى قال للملائكة لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوطا أربع شهادات، فأتوه فقالوا: إنا مضيفوك الليلة، فانطلق بهم، فلما مشى ساعة التفت إليهم وقال: أو ما بلغكم أمر هذه القرية؟ قالوا: وأما أمرهم؟ قال: أشهد بالله إنها لشر قرية فى الأرض، ولا أعلم على الأرض ناسا أخبث منهم، قال ذلك أربع مرات، ويأتى كلام فى
{ { إنا مهلكوا أهل هذه القرية } }. وعن السدى: لما خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط، بلغوها نصف النهار، ولما بلغوا نهر سدوم ولقلوا ابنة لوط تسقى، وكان له بنتان اسم الكبرى ربتا والأخرى عربتا، فقالوا لها: يا جارية هل منزل؟ قالت: نعم مكانكم لا تبرحوا حتى آتيكم، خافت عليهم قومها، فأنت أباها فقالت: يا أبتاه أدرك فتيانا على باب المدينة، ما رأيت قط وجوها أحسن من وجوههم لئلا يأخذهم قومك فيفضحوك، وقد نهوه أن يضيف الرجال، فجاء بهم إلى منزله ولم يعلم بهم أحد إلا أهل بيته، فخرجت امرأته فأخبرت قومها: إن فى بيت لوط رجالا ما رأيت مثلهم.
قال أبو حمزة الثمالى: جعلت لقومها علامة لنزول الضيف أن تقول هبوا لنا ملحاً تدعوهم بذلك إلى الفاحشة، وقيل: تجعل دخانا، فقيل: مسخت ملحا وهو باطل، لأن الله سبحانه أخبر أنها لم تنجُ وأنه يصيبها ما أصابهم، فجاءوا فعالجوا الباب ليفتحوه فدافعهم لوط، واشتد عليه الأمر كما قال الله سبحانه، فقالت الملائكة له: دعنا وإياهم، فإنا رسل ربك، فاستأذن جبريل الله سبحانه فى عقوبتهم، فأذن له، فنشر جناحيه وعليه وشاح من در منظوم، وهو براق البنايا، أجلى الجبين، ورأسه حبك مثل المرجان، وكأنه الثلج بياضا، وقدماه إلى الخضرة، فضرب وجوههم بجناحيه فطمس عيونهم وأعماها، فلا يعرفون الطريق، وانصرفوا قائلين: النجاة النجاة، فى بيت لوط أسحر قوم فى الأرض، قد سحرونا، وجعلوا يقولون: يا لوط كما أنت حتى تصبح وسترى ما يوعدونه، وقال لهم لوط: أهلكوهم الساعة، فقالوا:
{ { إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب } }. فلما أصبحوا، أدخل جبريل جناحه تحت أرضهم، فاقتلع قرى أهل لوط الأربعة فى كل قرية مائة ألف، ورفعهم على جناحه حتى سمع أهل السماء صياح ديوكهم، ونباح كلابهم، وبكاء صبيانهم، ثم قلبها وأصابوا من لم يكن منهم فى تلك البقع المقلوبة بحجارة، وكان الرجل يتحدث فى قرية فيأتيه الحجر فيقتله، وسمعت امرأة لوط وقد خرجت معه الهدة، فالتفتت فقالت: واقوماه، فأدركها حجر فقتلها، وكانت قراهم خمسا: سدور وغامور وداودما وصبايم وسدوم وهى العظمى، وقيل: حملهن جبريل بريشة، والخامسة زحزحت سميت بهذا لأن أهلها آمنوا وتابوا، فمنعت من العذاب.
"وقال صلى الله عليه وسلم لجبريل: ان الله تعالى سماك ذا قوة مكينا ومطاعا وأمينا، فسر لى ذلك قال: أما قوتى فإنى رفعت قرى قوم لوط من تخوم الأرض على جناح حتى سمعت الملائكة فى السماء أصواتهم وأصوات الديوك وقلبتها، واما كونى مطاعا فإنى متى أمرت مالكا خازن النار، أو رضوان خازن الجنة بفتحهما فتحاها لى، وأما أمانتى فإن الله تعالى أنزل من السماء مائة كتاب وأربعة كتب لم يأتمن عليها غيرى" .
قال أبو بكر عياش: سألت أبا جعفر أعذب الله نساء قوم لوط بعمل رجالهم؟ قال: الله تعالى أعدل من ذلك، استغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، وسأل مقاتل مجاهداً، هل بقى من قوم لوط أحد؟ قال: لا إلا رجل قام بمكة أربعين يوما بعد مصابهم، جاءه حجر ليصيبه فقام إليه ملائكة الحرم وقالوا له: ارجع من حيث جئت، فإن الرجل فى حرم الله تعالى، فرجع فوقف خارجا من الحرم أربعين يوما بين السماء والأرض فقضى الرجل تجارته فخرج فأصابه الحجر خارج الحرم، وعن ابن عباس: ما عمل ذلك من قوم لوط إلا ثلاثون رجلا ونيف، أهلكهم الله تعالى جميعا، لأنهم لم يأمروا ولم ينهوا، انتهى كلام عرائس القرآن.
وقيل: قلعت منهم خمس مدن، وقيل: ست، وقيل: أربع، وقيل: أربع آلاف بين الشام والمدينة، أمطر الله عليهم الكبريت والنار، وقيل أمطر عليهم ثم خسف بهم، وسبب فعلهم ذلك فيما قيل الشيخ، وذلك أن بلادهم أخصب بلاد الله، فقصدهم الناس فضيقوا عليهم، فقال لهم إبليس فى صورة شيخ: إن نكحتموهم فى أدبارهم لم يأتوكم فأبوا، فلما ألح الناس عليهم أصابوا غلمانا حسانا ففعلوا بهم، واستحكم ذلك فيهم.
قال الحسن: كانوا لا ينكحون إلا الغرباء، وقيل: فشى فيهم حتى نكح بعضهم بعضا، وقيل: تمثل إبليس شابا أمرد، ودعا إلى إلى نفسه فكان أول من نكح فى دبره، قيل: قال الله سبحانه للملائكة: لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات، ولما انطلق بهم ليضيفهم وقد حمل الحطب قال لهم كما مر: أو ما بلغكم أمر هذه القرية؟ فقالوا: وما أمرها؟ قال: أشهد أنها أخبث قرية، ومر على جماعة فتغامزوا فقال: إن هذه القرية أخبث قرية، ومروا بأخرى فتغامزوا مثل ذلك، ومروا بأخرى فمروا بالحصى، فقال مثل ذلك، فقال جبريل للملائكة: اشهدوا.