التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ
٨٦
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ولا تقْعُدوا بكلِّ } فى كل أو على كل { صِراطٍ } طرق فى الأرض { تُوعِدُونَ } حال من واو تقعدوا، وهو من أوعد المستعمل فى الشر، كانوا يقعدون بمراصد يقولون لمن جاء لشعيب: إنه كاذب لا تؤمن به، ويخوفونه بالقتل أو الضرب أو السلب أو بذلك كله على الإيمان، قاله السدى فى رواية، وابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد، وقال السدى فى رواية أخرى، وأبو روق: كانوا يقعدون فى الطرق معشرين ويخوفون صاحب المال بالقتل، أو بأخذ ماله إن لم يذعن للعشر.
وقال أبو هريرة: كانوا يقعدون للسلب وقطع الطرق، مخوفين من تعاصى، وفى الحديث:
"رأيت ليلة أسرى بى خشبة على الطريق لا يمر بها أحد إلا خدشته أو شقت ثوبه، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا مثل أقوام من أمتك يقعدون على الطريق فينقطعون ثم تلا: { ولا تقعدوا بكل صراط توعدون }" ويحتمل أن يريد بالصراط صراط الله، وهو ولو كان واحدا لكنه منقسم إلى معارف وحدود وأحكام كثيرة، وكانوا إذا رأوا إنسانا شرع فى شىء منها أو قصده منعوه وأوعدوه عليه، فلذلك قيل: { بكل صراط } والنهى هنا لعموم السلب لا لسلب العموم، ولو تأخر عنه كل فهو كالنفى فى قوله تعالى: { { لا يحب كل مختال فخور } ونحوه.
{ وتصدُّون } تمنعون { عَن سَبيلِ اللهِ مَنْ آمن بهِ } بالله أو بسبيل الله، فإن أريد قبله، والسلب أو قطع الطريق فلا تنازع ولا وضع ظاهر موضع المضمر، وإن أريد المنع عن الإيمان فسبيل الله ظاهر وضع موضع الضمير، أى لا تقعدوا بكل طريق من طرق الدين، موعدين وصادين عنها مَنْ آمن به، وفى مرجع الضمير ما مر، يزيد هنا عوده لكل صراط، والطريق والسبيل يذكران ويؤنثان، ولا ضمير بتأنيث بعد تذكير، ولا فى عكس ذلك، وفائدة وضع الظاهر موضع المضمر هنا بيان المراد بكل صراط، وزيادة فى تقبيح أمرهم، ودلالة على عظم ما يصدون، عنه، وذلك لإضافة السبيل إلى الله، ومن تنازع فيه توعدون وتصدون، وأعمل الثانى فيقدر ضميره لتوعدون، ولو أعمل توعدون لظهر الضمير فى تصدون عند الجمهور، وأجاز السيرافى حذف الضمير من الثانى إذا أعمل الأول، وكان الضمير فضله، وعليه فيجوز أن تقول بإعمال توعدون.
{ وتبْغُونها } أى السبيل { عِوجاً } جعلتم العوج عوضا عنها، أو تطلبون لها عوجا بإلقاء الشبه فيها، وبوصفها للناس بالعوج لئلا يدخلوها { واذْكُروا إذْ كنْتُم قَليلا } فى ذلك { فَكثَّركُم } فى عز، ويدل على هذا أن الكلام فى ذكر النعمة والتكثير فى ذلك ليس بنعمة، فإن الكثير فى ذلك بمنزلة القليل، ويجوز أن يكون المعنى واذكروا إذ كنتم ملقين أى فقراء، فجعلكم مكثرين أى موسرين، فالمراد قلة المال وكثرته، قيل: تزوج مدين بن إبراهيم بنت لوط، فرمى الله نسلها بالبركة والنماء، ويجوز أن يراد القلة فى العدد والمال، والكثرة فيهما مع العز.
{ وانْظُروا كَيفَ كانَ عاقِبةُ المفْسِدِين } كقوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، وكانوا أقرب عهدا بقوم لوط، كانت عاقبة المفسدين التدمير والمصير إلى النار.