التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
١١١
-التوبة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ المؤمِنينَ أنفسَهُم وأمْوالَهم بأنَّ لَهم الجنَّة } ترغيب فى الجهاد والإنفاق فيه، وتمثيل لإثابة الله إياهم الجنة على بذل أموالهم وأنفسهم فى سبيله، لا حقيقة شراء، لأنهم خلق له وملك، وأمواله رزق منه وملك له، وبيَّن ما لأجله الشراء بقوله:
{ يُقاتِلونَ } بأموالهم وأنفسهم { فى سَبيلِ اللهِ فيَقْتلونَ } أعداء الله { ويُقْتلُون } وقرأ حمزة والكسائى بتقديم المبنى للمفعول، وكذا قرأ النخعى، وابن وثاب، وطلحة، والأعمش، ومعلوم أن الواو لا تفيد الترتيب، فلا يقال على هذه القراءة: كيف يوصفون بأنهم قاتلون بعد وصفهم بأنهم مقتولون؟ ومعلوم أنه قد يسند إلى البعض ما للكل، فليسوا كلهم قاتلين، ولا كلهم مقتولين.
وقيل: وجه الشراء أنه وهب لهم أنفسهم وأموالهم ثم اشتراها منهم، وقال ابن عيينة: اشترى منهم أنفسهم أن لا يعلموها إلا فى طاعة الله، وأموالهم أن لا ينفقوها إلا فى سبيله، فالآية تعم الطاعات كلها، فقوله: يقاتلون إلخ بيان لبعضها، وهو أعظم ما روى أن الطاعات فى الجهاد كقطرة فى البحر، وفى الحديث:
"إن فوق كل بر برا حتى يبذل العبد دمه، فإذا فعل فلا بر فوق ذلك" والأول قول الجمهور، ولا ثمن أغلى من ذلك، اشترى بعضا من الدنيا بالجنة.
قال بعض العلماء: ما من مسلم إلا ولله فى عنقه هذه البيعة، وفى بها أو لم يوف، وجملة يقاتلون مستأنفة، أو حال، وقيل: حال فى تفسير الجمهور، ومستأنفة فى تفسير ابن عيينة، ويجوز أن يكون يقاتلون بمعنى الأمر، فيكون مستأنفا.
{ وعْداً عَليه حَقًّا } مصدران لعالمين محذوفين من لفظيهما، مؤكدان لمضمون قوله: { إن الله اشترى } فإن شراءه بالجنة وعد بها، وحق أكد الله ذلك بأن، وأكده بأن المشترى هو الله المقدس عن الكذب والحيل، وبالشراء بدلا من الإثابة، فإن ما به الشراء أحق بالإنجاز، وبقوله: { وعداً } وبقوله: { عليه } وهو نعت لوعد، أو متعلق بحق، أو حال منه، وبقوله: { حقًّا } ولو جعل نعت لوعد أو بقوله:
{ فى التَّوراة والإنْجيلِ والقُرآنِ } تعلق بمحذوف، وذلك المحذوف نعت لوعداً أو حقا، أو حال أى مذكورا فى الكتب الثلاثة، وهذا جار مجرى إشهاد وكتب الله وملائكته ورسله، ويجوز أن يرد أن تلك الأمم أمرت بالجهاد، وفيه أيضا تأكيد، وأكد أيضا بقوله:
{ ومَنْ أوفَى بعَهْدِه مِنَ اللهِ } استفهام إنكارى أى لا أحد أوفى منه، فوعده منجز لا محالة، وحق قطعا، فإن إخلاف الميعاد أقبح لا يقدم عليه المخلوق الكريم، مع جواز الحاجة والافتقار عليه، فكيف بالغنى الذى لا يجوز عليه قبح قط؟ وقد روى
"أن أعرابيا مر برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ الآية، فقال الأعرابى: كلام من هذا؟ قال: كلام الله قال: بيع والله مربح، لا نقيله ولا نستقيله" ، فخرج إلى الغزو واستشهد بقوله:
{ فاسْتبشِرُوا } أى افرحوا التفات إلى الخطاب { ببَيْعكُم } لأنفسكم وأموالكم بالجنة { الَّذِى بايعْتُم } مفاعلة من البيع، وذلك أنهم باعوا من الله، وباع منهم الله { بِه } فإنه شىء عظيم أحق بالفرح، والاستبشار استفعال لغير الطلب، بل لموافقة المجرد، كأنه قيل: فأبشروا، بل هو للتأكيد بالزيادة التى فيه، فكأنه قيل: افرحوا به غاية الفرح، وهذا تأكيد آخر، فإن الأمر من مجرد الفرح يستلزم أعظم المفروح به، فكيف الأمر بغاية الفرح وأكد أيضا بقوله:
{ وذَلكَ } البيع { هُو الفَوزُ } وبقوله: { العَظيمُ } قال أبو الفضل بن الجوهرى على منبر بمصر: ناهيك من صفقة البائع فيها رب العلى، والثمن جنة المأوى، والواسطة محمد المصطفى.