التفاسير

< >
عرض

وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ
٥٨
-التوبة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ومنْهُم مَنْ يَلمزُك } يعيبك ويطعن عليك، وقرأ أهل مكة والحسن وأبو رحى وغيرهم بضم الميم، ورواه حماد بن سلمة، عن ابن كثير، وقرأ الأعمش بضم الياء وفتح اللام وكسر الميم المشددة، وروى حماد أيضا عن ابن كثير يلازمك، وهو مفاعلة للمبالغة لا لوقوع الفعل من جانبين، لأن اللمز وقع من جانبهم فقط.
{ فى الصَّدَّقاتِ } أى فى قسمها، زعم الخازن وصاحب القاموس وغيرهما أنها نزلت فى ذى الخويصرة التميمى، وهو رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدى المرأة، وروى مثل البضعة، واسمه حرقوص بن زهير، وكذلك فى صحيحى البخارى ومسلم، وفى موضع من البخارى: عبد الله بن ذى الخويصرة، فقيل: روايتان، وقيل: هو عبد الله الخويصرة، وزيادة الابن.
"وهم زعموا أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم الصدقة ذهبا أو فضة، وقيل: غنائم حنين، واستعطف قلوب أهل مكة بتوفير العطى، فقال: يا رسول الله اعدل، فقال صلى الله عليه وسلم: ويحك من يعدل إن لم أعدل؟! وهو من المنافقين" ، وفى رواية قال له: "قد خبت وخسرت إن لم أعدل فقال عمر: إيذن لى أضرب عنقه، فقال له: دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم، أو صيامه إلى صيامهم يقرءون القرآن ولا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين، أو قال من الإسلام روايتان، كما تمرق السهم من الرمية" وذلك غلط أو عمل فاحش أوصلهم إليه الغلق فى ذم أهل الصواب، الذين هم الأباضية، حتى كذبوا وخرجوا الآية والحديث فيه وفى أصحابه، وإنما حرقوص صحابى مرضى شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة.
"قالت عائشة رضى الله عنها: أشهد أن محمدا رسول الله فى بيتى، وقال: يا عائشة أول من يدخل من هذا الباب من أهل الجنة فقلت فى نفسى: أبو بكر، عمر، فلان، فلان، فبينما أنا كذلك إذا أقبل حرقوص ابن زهير، وقد توضأ، وإن لحيته تتقطر ماء، ثم قال ذلك فى اليوم الثانى والثالث، ودخل فيهما حرقوص" .
"وقد قال أبو موسى الأشعرى: والله الذى نفسى بيده، لو اجتمع أهل المشرق والمغرب على الرمح الذى طعن به حرقوص لدخلوا به النار جميعا، وإنما قائل ذلك أبو الجواظ المنافق قال: ألا ترون إلى صاحبكم إنما يقسم صدقاتكم فى رعاة الغنم، ويزعم أنه يقعد! فقال صلى الله عليه وسلم: لا أبا لك أما كان موسى راعيا، أما كان داود راعيا ولما ذهب قال: احذروا هذا وأصحابه فإنهم منافقون" وعليه الكلبى.
وروى أنه قال له: لم يقسم بالسوية،
"وقال قتادة: إن قائل ذلك بدوى حديث عهد أتاه يقسم ذهبا أو فضة، فقال: يا محمد لأن كان الله أمرك أن تعدل فما عدلت هذا اليوم، فقال له: ويحك فمن يعدل عليك بعدى ثم قال: احذروا هذا وأشباهه فإن فى أمتى أشباهه قوم يقرءون القرآن ولا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية وكان عابس الجبين، مشرف الحاجبين، غائر العينين" .
وفى رواية قال: "لقد شقيت إن لم أعدل" وقيل قائل ذلك من الأنصار، وقال ابن زيد: قال المنافقون: والله ما يعطيها محمد إلا من أحب، ولا يؤثر إلا هواه، قيل: هم المؤلفة قلوبهم، إذ لم يعطوا بحسب آمالهم.
{ فإنْ أعْطُوا مِنْها } كما يحبون { رَضُوا } عنك { وإنْ لَم يعْطَوا منْها } فربط أصل أو لم يعطوا ما يأملون { إذا هُم يسْخَطُون } إذا للمفاجأة نابت فى الربط عن الفاء، وأفادت سرعة السخط عقب عدم الإعطاء.