التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
٩٨
-التوبة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ومِنَ الأعْرابِ مَنْ يتَّخذُ } يجعل أو يعد { ما ينْفقُ } فى سبيل الله جهادا وزكاة { مَغْرماً } أى غرامة، فهو مصدر ميمى، ومعناه ومعناه الخسران، لأنه إنما ينفق خوفا من المؤمنين، أو رياء لا رجاء ثواب، أو خوف عقاب، ومن الغرامة ما ينفقه الإنسان، وليس يلزمه، قبل: وأصله الدين ثم كثر استعماله فى ذلك.
{ ويتَربَّصُ } ينتظر { بكُم الدَّوائرَ } نوائب الدهر وتقلباته، بأن يموت الرسول ويظهر المشركون أو يغلبون والمؤمنين، فيستريحوا من الإنفاق والأحكام { عَليْهم دَائرةُ السَّوءِ } هذا على طريق الدعاء، وكل ما كان بطريق الدعاء من الله فهو إيجاب، لأنه إنما يدعو من كان فوقه أحد يملك ما لا يقدر هو عليه، ويجوز أن يكون ذلك إخبارا من الله سبحانه وتعالى.
وعلى كل، فذلك مقابلة لهم بمثل ما تربصوه بالمؤمنين، بأن تكون الغلبة للنبى والمؤمنين والفوز، ومثله:
{ { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم } والدائرة مفرد الدوائر، وهى اسم فاعل للخصلة تغلبت عليها الاسمية، أو مصدر بمعنى الدور، تغلبت عليه أيضا، سميت به عاقبة الزمان، فإنه تارة يأتى بالشر، وتارة بالخير، فهى من دور الزمان بمعنى تصرفه وتقلبه، أو من الدور بالشىء بمعنى الإحاطة به، فهى ما يصيب الإنسان ويحيط به، بحيث لا يتخلص منه، فعلى أنها تطلق عامة إضافتها للسوء لتبين المراد بها، وعلى أنها تطلق فى الشر، فإضافتها إليه مبالغة.
والسوء بفتح السين وإسكان الواو إسكانا حيا مصدر، وفى الإضافة إليه من حيث إنه مصدر مبالغة على حد قولك: رجل كذب، ورجل زنى، ورجل صدق بالإضافة مبالغة فى الذم والمدح، وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو هنا وفى سورة الفتح، بضم السين وإسكان الواو ميتا، وكذا ابن محيصن، وعاصم، والأعمش فى رواية عنهم هنا، وهو أيضا رواية عن ابن كثير، ولم يختلف القراء فى الفتح فى { ما كان أبوك امرأ سَوْءٍ } والمعنى واحد عند بعض.
وقال بعض: المفتوح مصدر، والمضموم اسم، وهو الذى يظهر لى، وقيل: المضموم اسم مصدر، وقيل: هو فى الأصل مصدر، ولا يقال: رجل سَوء إلا بفتح السين فيما قال الأكثرون، وحكى قوله:

وكتب كذئب السوء لما رأى دماً بصاحبه يوماً أحال على الدم

بضم السين.
{ واللهُ سَميعٌ } لما يقولون عند توجه الإنفاق والصدقات إليهم بإلزامها إياهم، وعند الإنفاق والتصديق { عَليمٌ } بإظهارهم الكفر والنفاق، والغش والسوء للمؤمنين، قيل: أعراب أسد وغطفان وتميم، واستثنى الله منهم بقوله: { ومِنَ الأعْرابِ مَنْ يُؤمنُ باللهِ واليَوم الآخِرِ ... }.