التفاسير

< >
عرض

أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٦٢
-يونس

روح المعاني

{ أَلا إِنَّ أَوْلِيَآء ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } وفي «إرشاد العقل السليم» أنه بيان على وجه التبشير والوعد لما هو نتيجة لأعمال المؤمنين وغاية لما ذكر قبله من كونه سبحانه مهيمناً على نبيه صلى الله عليه وسلم وأمته في كل ما يأتون ويذرون وإحاطة علمه جل وعلا بعد ما أشير إلى فظاعة حال المفترين على الله تعالى يوم القيامة وما سيعتريهم من الهول إشارة إجمالية على طريق التهديد والوعيد، وصدرت الجملة بحرفي التنبيه والتحقيق لزيادة تقرير مضمونها. والأولياء جمع ولي من الوَلْي بمعنى القرب والدنو يقال: تباعد بعد ولي أي قرب، والمراد بهم خلص المؤمنين لقربهم الروحاني منه سبحانه كما يفصح عنه تفسيرهم الآتي، ويفسر الولي بالمحب وبين المعنيين تلازم، وسيأتي تمام الكلام على ذلك قريباً إن شاء الله تعالى، وجاء بمعنى النصير ويشير كلام البعض إلى صحة اعتبار هذا المعنى هنا، والمراد من الجملتين المنفيتين المتعاطفتين دوام انتفاء مدلولهما كما مر تحقيقه غير مرة، قيل: والمعنى لا خوف عليه من لحوق مكروه ولا هم يحزنون من فوات مطلوب في جميع الأوقات أي لا يعتريهم / ما يوجب ذلك أصلاً لا أنه يعتريهم لكنهم لا يخافون ولا يحزنون ولا أنه لا يعتريهم خوف وحزن أصلاً بل يستمرون على النشاط والسرور، كيف لا واستشعار الخوف استعظاماً لجلال الله تعالى واستقصاراً للجد والسعي في إقامة حقوق العبودية من خصائص الخواص والمقربين بل كلما ازداد العبد قرباً من ربه سبحانه ازداد خوفاً وخشية منه سبحانه، ويرشد إلى ذلك غير ما خبر وقوله تعالى: { { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَآءُ } [فاطر: 28] وإنما لا يعتريهم ذلك لأن مقصدهم ليس إلا الله تعالى ونيل رضوانه المستتبع للكرامة والزلفى وذلك مما لا ريب في حصوله ولا احتمال لفواته بموجب الوعد الإلهي، وأما ما عدا ذلك من الأمور الدنيوية المترددة بين الحصول والفوات فهي عندهم أحقر من تبالة عن الحجاج بل الدنيا بأسرها في أعينهم أقذر من ذراع خنزير ميت بال عليه كلب في يد مجذوم فهيهات أن تنتظم في سلك مقصدهم وجوداً وعدماً حتى يخافوا من حصول ضارها أو يحزنوا من فوات نافعها.

وقيل: المراد بانتفاء الخوف والحزن أمنهم من ذلك يوم القيامة بعد تحقق مالهم من القرب والسعادة وإلا فالخوف والحزن يعرضان لهم قبل ذلك سواء كان سببهما دنيوياً أو أخروياً، ولا يجوز أن يراد أمنهم مما ذكر في الدنيا أو فيما يعمها والآخرة لأن في ذلك أمناً من مكر الله تعالى ولا يأمن مكرَ الله إلا القوم الخاسرون وهذا مبني على أن الخوف المنفي مسند إليهم وليس بالمتعين، فقد ذهب بعض الجلة إلى أنه مسند إلى غيرهم أي غيرهم لا يخاف عليهم ولا يلزم من ذلك أنهم لا يخافون ليجيء حديث لزوم الأمن، وجعل ذلك نكتة اختلاف أسلوب الجملتين، والعدول عن لا هم يخافون الأنسب ـ بلا هم يحزنون ـ إلى ما في النظم الجليل، وقد يقال: إذا كان المراد أنهم لا يعتريهم ما يوجب الخوف والحزن لا يبقى لحديث لزوم الأمن من مكر الله تعالى مجال على ما لا يخفى على المتدبر لكن لا يظهر عليه نكتة اختلاف أسلوب الجملتين وكونها اختلاف شأن الخوف والحزن بشيوع وصف الأخير بعدم الثبات كما قيل:

فلا حزن يدوم ولا سرور

دون الأول ولذا ناسب أن يعبر بالاسم في الأول وبالفعل المفيد للحدوث والتجدد في الثاني كما ترى. وقيل: إن المراد نفي استيلاء الخوف عليهم ونفي الحزن أصلاً ومفاد ذلك اتصافهم بالخوف في الجملة، ففيه إشارة إلى أنهم بين الرجاء والخوف غير آيسين ولا آمنين، ولهذا لم يؤت بالجملتين على طرز واحد، وكذا لم يقل لا خوف لهم مثلاً، والأوجه عندي ما نقل عن بعض الجلة من أن معنى { لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } لا يخاف عليهم غيرهم ويجعل الجملة الأولى عليه كناية عن حسن حالهم، وأنت في الجملة الثانية بالخيار، والخوف على ما قال الراغب توقع المكروه وضده الأمن، والحزن من الحزن بالفتح وهو خشونة في النفس لما يحصل من الغم ويضاده الفرح، وعلى هذا قالوا في بيان المعنى لا خوف عليهم من لحوق مكروه ولا هم يحزنون من فوات مأمول.