التفاسير

< >
عرض

أَلاۤ إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ
٦٦
-يونس

روح المعاني

{ أَلا إِنَّ للَّهِ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ } أي من الملائكة والثقلين كما يدل عليه التعبير ـ بمن ـ الشائع في العقلاء، والتغليب غير مناسب هنا، ووجه تخصيصهم بالذكر الإيذان بعدم الحاجة إلى التصريح بغيرهم فإنهم مع شرفهم وعلو طبقتهم إذا كانوا عبيداً لله مملوكين له سبحانه فما عداهم من الموجودات أولى بذلك، والجملة مع ما فيها من التأكيد لما سبق من اختصاص العزة به جل شأنه الموجب لسلوته عليه الصلاة والسلام وعدم مبالاته بمقالات المشركين تمهيد لما لحق من قوله سبحانه: { وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ } ودليل على بطلان ظنونهم وأعمالهم المبنية عليها والاقتصار على أحد الأمرين قصور فلا تكن من القاصرين، و { مَا } نافية و { شُرَكَآءَ } مفعول { يَتَّبِعُ } ومفعول { يَدْعُونَ } محذوف لظهوره، أي ما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء شركاء في / الحقيقة وإن سموها شركاء لجهلهم فالمراد سلب الصفة في الحقيقة ونفس الأمر فما ذكره أبو البقاء من عدم جواز هذا الوجه من الإعراب لأنه يدل على نفي اتباعهم الشركاء مع أنهم اتبعوهم ناشىء من الغفلة عما ذكرنا، وجوز أن يكون { شُرَكَآءَ } المذكور مفعول { يَدْعُونَ } ويكون مفعول { يَتَّبِعُ } محذوفاً لانفهامه من قوله سبحانه:

{ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } أي ما يتبعون يقيناً وإنما يتبعون ظنهم الباطل أو ظنهم أنها شركاء بتقدير معمول الظن أو تنزيله منزلة اللازم، وقدر بعضهم مفعول { يَتَّبِعُونَ } شركاء ميلاً إلى إعمال الثاني في التنازع، وتعقب بأنه لا يصح أن يكون من ذلك الباب لأن مفعول الفعل الأول مقيد دون الثاني فلا يتحد المعمول والاتحاد شرط في ذلك، وكون التقييد عارضاً بعد الإعمال بقرينة عاملة فلا ينافي ما شرط في الباب بالباب كما لا يخفى، وجوز أيضاً أن تكون { مَا } استفهامية منصوبة ـ بيتبع ـ و { شُرَكَآءَ } مفعول { يَدْعُونَ } أي أي شيء يتبع المشركون أي ما يتبعونه ليس بشيء، وأن تكون موصولة معطوفة على { مِنْ } أي وله تعالى ما يتبعه المشركون خلقاً وملكاً فكيف يكون شريكاً له سبحانه، وتخصيص ذلك بالذكر مع دخوله فيما سبق عبارة أو دلالة للمبالغة في بيان بطلان الاتباع وفساد ما بنوه عليه من الظن الذي هو من الفساد بمكان، وجوز على احتمال الموصولية أن تكون مبتدأ خبره محذوف أي باطل ونحوه أو الخبر قوله سبحانه: { إِن يَتَّبِعُونَ } والعائد محذوف أي في عبادته أو اتباعه.

وقرأ السلمي { تدعون } بالتاء الخطابية، وروي ذلك عن علي كرم الله وجهه وهي قراءة متجهة خلافاً لزاعم خلافه فإن { مَا } فيها استفهامية للتبكيت والتوبيخ والعائد على { ٱلَّذِينَ } محذوف و { شُرَكَاء } حال منه، والمراد من { ٱلَّذِينَ } الملائكة والمسيح وعزير عليهم الصلاة والسلام فكأنه قيل: أي شيء يتبع الذين تدعونهم حال كونهم شركاء في زعمكم من الملائكة والنبيين تقريراً لكونهم متبعين لله تعالى مطيعين له وتوبيخاً لهم على عدم اقتدائهم بهم في ذلك كقوله سبحانه: { أُوْلَـٰئكَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ } [الإسراء: 57] وحاصله أن الذين تعبدونهم يعبدون الله تعالى ولا يعبدون غيره فما لكم لا تقتدون بهم ولا تتبعونهم في ذلك ثم صرف الكلام عن الخطاب إلى الغيبة فقيل: إن يتبع هؤلاء إلا الظن ولا يتبعون ما يتبعه الملائكة والنبيون عليهم السلام من الحق { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } أي يحزرون ويقدرون أنهم شركاء تقديراً باطلاً أو يكذبون فيما ينسبونه إليه سبحانه وتعالى على أن الخرص إما بمعنى الحزر والتخمين كما هو الأصل الشائع فيه وإما بمعنى الكذب فإنه جاء استعماله في ذلك لغلبته في مثله.