التفاسير

< >
عرض

أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ
٢٠
-هود

روح المعاني

{ أُوْلَـٰئِكَ } الموصوفون بما يوجب التدمير { لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ } لله تعالى مفلتين أنفسهم من أخذه لو أراد ذلك / { فِي ٱلأَرْضِ } مع سعتها وإن هربوا منها كل مهرب وجعلها بعضهم كناية عن الدنيا { وَمَا كَانَ لَهُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآء } ينصرونهم من بأسه ولكن أخر ذلك لحكمة تقتضيه، و { مِنْ } زائدة لاستغراق النفي، وجمع { أَوْلِيَآء } إما باعتبار أفراد الكفرة كأنه قيل: وما كان لأحد منهم من ولي، أو باعتبار تعدد ما كانوا يدعون من دون الله تعالى فيكون ذلك بياناً لحال آلهتهم من سقوطها عن رتبة الولاية { يُضَـٰعَفُ لَهُمْ ٱلْعَذَابَ } جملة مستأنفة بين فيها ما يكون لهم ويحل بهم، وادعى أنها تتضمن حكمة تأخير المؤاخذة، وزعم بعضهم أنها من كلام الأشهاد، وهي دعائية ليس بشيء. وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب ـ يضعف ـ بالتشديد.

{ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ } أي أنهم كانوا يستثقلون سماع الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ويستكرهونه إلى أقصى الغايات حتى كأنهم لا يستطيعونه، وهو نظير قول القائل: العاشق لا يستطيع أن يسمع كلام العاذل، ففي الكلام استعارة تصريحية تبعية، ولا مانع من اعتبار الاستعارة التمثيلية بدلها وإن قيل به، وبالجملة لا ترد الآية على المعتزلة وكذا على أهل السنة لأنهم لا ينفون الاستطاعة رأساً وإن منعوا إيجاد العبد لشيء مّا، وكأنه لما كان قبح حالهم في عدم إذعانهم للقرآن الذي طريق تلقيه السمع أشد منه في عدم قبولهم سائر الآيات المنوطة بالأبصار بالغ سبحانه في نفي الأول عنهم حسبما علمت واكتفى في الثاني بنفي الإبصار فقال عز قائلاً: { وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ } أي أنهم كانوا يتعامون عن آيات الله تعالى المبسوطة في الأنفس والآفاق، وكأن الجملة جواب سؤال مقدر عن علة مضاعفة العذاب كأنه قيل: ما لهم استوجبوا تلك المضاعفة؟ فقيل: لأنهم كرهوا الحق أشد الكراهة واستثقلوا سماعه أعظم الاستثقال وتعاموا عن آيات الملك المتعال، ولا يشكل على هذا قوله سبحانه: { { مَن جَآء بِٱلسَّيّئَةِ فَلاَ يُجْزَىٰ إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [الأنعام: 160] بناءاً على أن المراد بمثل السيئة ما تقتضيه من العقاب عند الله تعالى فلعل ما فعلوه من السيئات يقتضي تلك المضاعفة فتكون هي المثل كما أن مثل سيئة الكفر هو الخلود في النار، وقيل: إن المضاعفة لافترائهم وكذبهم على ربهم وصدّهم عن سبيل الله تعالى وبغيهم إياها العوج وكفرهم بالآخرة ـ على ما يدل عليه نسبة مضاعفة العذاب إلى هؤلاء الموصوفين بتلك الصفات ـ وبه جمع بين ما هنا وقوله سبحانه: { { مَن جَآء بِٱلسَّيّئَةِ } [الأنعام:160] الآية، ولعل التعليل بما تفيده الجملة على هذا لأنه الأصل الأصيل لسائر قبائحهم ومعاصيهم. وزعم بعضهم أن المضاعفة لحفظ الأصل إذ لولا ذلك لارتفع ولم يبق عذاباً للإلف بطول الأمد وفيه ما فيه، وقيل: إن الجملة بيان لما نفى من ولاية الآلهة فإن ما لا يسمع ولا يبصر بمعزل عن الولاية وقوله سبحانه: { يُضَـٰعِفُ } الخ اعتراض وسط بينهما نعياً عليهم من أول الأمر بسوء العاقبة، وفيه أنه مخالف للسياق ومستلزم تفكيك الضمائر، وجوز أبو البقاء أن تكون { مَا } مصدرية ظرفية أي يضاعف لهم العذاب مدة استطاعتهم السمع وإبصارهم، والمعنى أن العذاب وتضعيفه دائم لهم متماد، وأجاز الفراء أن تكون مصدرية وحذف حرف الجر منها كما يحذف من أن وأن، وفيه بعد لفظاً ومعنى.