التفاسير

< >
عرض

قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ رَحْمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ
٧٣
-هود

روح المعاني

{ قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } أي قدرته وحكمته أو تكوينه أو شأنه سبحانه أنكروا عليها تعجبها لأنها كانت ناشئة في بيت النبوة ومهبط الوحي ومحل الخوارق فكان حقها أن تتوقر ولا يزدهيها ما يزدهي سائر النساء من أمثال هذه الخوارق من ألطاف الله سبحانه الخفية ولطائف صنعه الفائضة على كل أحد ممن يتعلق بإفاضته عليه مشيئته تعالى الأزلية لا سيما أهل بيت النبوة الذين هم هم وأن تسبح الله تعالى وتمجده وتحمده، وإلى ذلك أشاروا بقوله تعالى: { رَحْمَتُ ٱللَّهِ } المستتبعة كل خير / ووضع المظهر موضع المضمر لزيادة تشريفها والإيماء إلى عظمتها { وَبَرَكَـٰتُهُ } أي خيراته النامية المتكاثرة التي من جملتها هبة الأولاد، وقيل: الرحمة النبوة والبركات الأسباط من بني إسرائيل لأن الأنبياء عليهم السلام منهم وكلهم من ولد إبراهيم عليه السلام؛ وقيل: رحمته تحيته وبركاته فواضل خيره بالخلة والإمامة.

{ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } نصب على المدح أو الاختصاص كما ذهب إليه كثير من المعربين، قال أبو حيان: وبينهما فرق ولذلك جعلهما سيبويه في بابين وهو أن المنصوب على المدح لفظ يتضمن بوضعه المدح كما أن المنصوب على الذم يتضمن بوضعه الذم والمنصوب على الاختصاص يقصد به المدح أو الذم لكن لفظه لا يتضمن بوضعه ذلك كقول رؤية:

بنا تميما يكشف الضباب ))

انتهى، وفي «الهمع» أن النصب في الاختصاص بفعل واجب الإضمار وقدره سيبويه ـ بأعني ـ ويختص بأن الواقعة بعد ضمير المتكلم كأنا أفعل كذا أيها الرجل وكاللهم اغفر لنا أيتها العصابة، وحكمها في هذا الباب ـ إلا عند السيرافي والأخفش ـ حكمها في باب النداء ويقوم مقامها في الأكثر كما ـ قال سيبويه ـ بنو نحو قوله:

نحن بني ضبة أصحاب الجمل

ومنه قوله:

نحن بنات طارق نمشي على النمارق

ومعشر كقوله:

لنا معشر الأنصار مجد مؤثل بإرضائنا خير البرية أحمدا

وفي الحديث "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" وآل وأهل، وأبو عمرو لا ينصب غيرهما وليس بشيء، وقلّ كون ذلك علماً كما في بيت رؤبة السابق في كلام أبـي حيان، ولا يكون اسم إشارة ولا غيره ولا نكرة البتة ولا يجوز تقديم اسم الاختصاص على الضمير، وقلّ وقوع الاختصاص بعد ضمير المخاطب كسبحانك الله العظيم، وبعد لفظ غائب في تأويل المتكلم أو المخاطب نحو على المضارب الوضيعة أيها البائع، فالمضرب لفظ غيبة لأنه ظاهر لكنه في معنى على أو عليك، ومنع ذلك الصفار البتة لأن الاختصاص شبه النداء فكما لا ينادى الغائب فكذلك لا يكون فيه الاختصاص انتهى مع أدنى زيادة وتغيير، ومنه يعلم بعض ما في كلام أبـي حيان وأن حمل ما في الآية الكريمة على الاختصاص انتهى مع أدنى زيادة وتغيير، ومنه يعلم بعض ما في كلام أبـي حيان وأن حمل ما في الآية الكريمة على الاختصاص من ارتكاب ما قل في كلامهم، وجوز في «الكشاف» نصبه على النداء، وقدمه على احتمال النصب على الاختصاص، ولعله أشار بذلك إلى ترجيحه على الاحتمال الثاني لكن ذكر بعض الأفاضل إن في ذلك فوات معنى المدح المناسب للمقام. والمراد من البيت ـ كما في «البحر» ـ بيت السكنى، وأصله مأوى الإنسان بالليل، ثم قد يقال من غير اعتبار الليل فيه، ويقع على المتخذ من حجر ومن مدر ومن صوف ووبر، وعبر عن مكان الشيء بأنه بيته ويجمع على بيوت وأبيات، وجمع الجمع أباييت وبيوتات وأبياوات، ويصغر على بييت وبييت بالكسر، ويقال: بويت كما تقوله العامة، وصرف الخطاب من صيغة الواحدة إلى الجمع ليكون جوابهم عليهم السلام لها جواباً لمن يخطر بباله مثل ما خطر ببالها من سائر أهل البيت.

والجملة كلام مستأنف علل به إنكار تعجبها فهي جملة خبرية، واختاره جمع من المحققين، وقيل: هي دعائية وليس بذاك، واستدل بالآية على دخول الزوجة في أهل البيت، وهو الذي ذهب إليه السنيون، ويؤيده ما في سورة الأحزاب، وخالف في ذلك الشيعة فقالوا: لا تدخل إلا إذا كانت قريب الزوج ومن نسبه فإن المراد من البيت بيت النسب لا بيت الطين والخشب، ودخول سارة رضي الله تعالى عنها هنا لأنها بنت عمه، وكأنهم حملوا البيت على الشرف كما هو أحد معانيه، وبه فسر في قول العباس رضي الله تعالى عنه يمدح النبـي صلى الله عليه وسلم:

/ حتى احتوى (بيتك) المهيمن من خندف علياء تحتها النطف

ثم خصوا الشرف بالشرف النسبـي وإلا فالبيت بمعنى النسب مما لم يشع عند اللغويين، ولعل الذي دعاهم لذلك بغضهم لعائشة رضي الله تعالى عنها فراموا إخراجها من حكم { يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيــراً } [الأحزاب: 33]، وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل الكلام في هذا المقام.

واستدل بالآية على كراهة الزيادة في التحية على السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وروي ذلك عن غير واحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم. أخرج البيهقي في «الشعب» عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رجلاً قال له: سلام عليك ورحمة الله وبركاته ومغفرته فانتهره ابن عمر وقال: حسبك ما قال الله تعالى، وأخرج عن ابن عباس أن سائلاً قام على الباب وهو عند ميمونة فقال: السلام عليكم أهل البيت ما قال الله تعالى، وأخرج عن ابن عباس أن سائلاً قام على الباب وهو عند ميمونة فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته وصلواته ومغفرته، فقال: انتهوا بالتحية إلى ما قال الله سبحانه، وفي رواية عن عطاء قال: كنت جالساً عند ابن عباس فجاء سائل فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه فقال: ما هذا السلام؟! وغضب حتى احمرت وجنتاه إن الله تعالى حد للسلام حداً ثم انتهى ونهى عما وراء ذلك ثم قرأ { رَحْمَةُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ }.

{ إِنَّهُ حَمِيدٌ } قال أبو الهيثم: أي تحمد أفعاله، وفي «الكشاف» أي فاعل ما يستوجب به الحمد من عباده ففعيل بمعنى مفعول، وجوز الراغب أن يكون { حَمِيدٌ } هنا بمعنى حامد ولعل الأول أولى { مَّجِيدٌ } أي كثير الخير والإحسان، وقال ابن الأعرابـي: هو الرفيع يقال: مجد كنصر وكرم مجداً ومجادة أي كرم وشرف؛ وأصله من مجدت الإبل إذا وقعت في مرعى كثير واسع، وقد أمجدها الراعي إذا أوقعها في ذلك، وقال الأصمعي: يقال: أمجدت الدابة إذا أكثرت علفها، وقال الليث: أمجد فلان عطاءه ومجده إذا كثره، ومن ذلك قول أبـي حية النميري:

تزيد على صواحبها وليست (بماجدة) الطعام ولا الشراب

أي ليست بكثيرة الطعام ولا الشراب، ومن أمثالهم في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار أي استكثر من ذلك، وقال الراغب: أي تحري السعة في بذل الفضل المختص به، وقال ابن عطية: مجد الشيء إذا حسنت أوصافه، والجملة على ما في «الكشف» تذييل حسن لبيان أن مقتضى حالها أن تحمد مستوجب الحمد المحسن إليها بما أحسن وتمجده إذ شرفها بما شرف، وقيل: هي تعليل لما سبق من قوله سبحانه: { رَحْمَةُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ }.