التفاسير

< >
عرض

قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ
٨٠
-هود

روح المعاني

{ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً } أي لو ثبت أن لي قوة ملتبسة بكم بالمقاومة على دفعكم بنفسي لفعلت ـ فلو ـ شرطية وجوابها محذوف كما حذف في قوله سبحانه: { { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ } [الرعد: 31] وجوز أن تكون للتمني، و { بِكُمْ } حال من { قُوَّةَ } كما هو المعروف في صفة النكرة إذا قدمت عليها، وضعف تعلقه بها لأن معمول المصدر لا يتقدم عليه في المشهور. وقوله: { أَوْ ءَاويٰ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } عطف على ما قبله بناءاً على ما علمت من معناه الذي يقتضيه مذهب المبرد، والمضارع واقع موقع الماضي، واستظهر ذلك أبو حيان، وقال الحوفي: إنه عطف على ما تقدم باعتبار أن المراد أو أني آوي، وجوز ذلك أبو البقاء، وكذا جوز أن تكون الجملة مستأنفة، و ـ الركن ـ في الأصل الناحية من البيت أو الجبل، ويقال: ركن بضم الكاف، وقد قرىء به ويجمع على أركان، وأراد عليه السلام به القوى شبهه بركن الجبل في شدته ومنعته أي أو أنضم إلى قوي أتمنع به عنكم وأنتصر به عليكم، وقد عد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القول منه عليه السلام بادرة واستغربه، فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبـي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "رحم الله تعالى أخي لوطاً كان يأوي إلى ركن شديد" يعني عليه الصلاة والسلام به الله تعالى فإنه لا ركن أشد منه عز وجل:

إذا كان غير الله للمرء عدة أتته الرزايا من وجوه الفوائد

وجاء أنه سبحانه لهذه الكلمة لم يبعث بعد لوط نبياً إلا في منعة من عشيرته، وفي «البحر» ((أنه يجوز على رأي الكوفيين أن تكون { أَوْ } بمعنى بل ويكون عليه السلام قد أضرب عن الجملة السابقة، وقال: بل آوي في حالي معكم إلى ركن شديد وكني به عن جناب الله تعالى)) ولا يخفى أنه يأبـى الحمل على هذه الكناية تصريح الأخبار الصحيحة بما يخالفها، وقرأ شيبة وأبو جعفر { أَوَي } بالنصب على إضمار أن بعد { أَوْ } فيقدر بالمصدر عطفاً على { قُوَّةَ } ونظير ذلك قوله:

ولولا رجال من رزام أعزة وآل سبيع أو أسوأك علقماً

أي لو أن لي بكم قوة أو أوياً، روي أنه عليه السلام أغلق بابه دون أضيافه وأخذ يجادل قومه عنهم من وراء الباب فتسوروا الجدار فلما رأت الملائكة عليهم السلام ما على لوط من الكرب قالوا: { يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ... } .