التفاسير

< >
عرض

ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ
١٠٢
-يوسف

روح المعاني

{ ذٰلِكَ } إشارة إلى ما ذكر من أنباء يوسف عليه السلام، وما فيه من معنى البعد لما مر مراراً، والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وهو مبتدأ وقوله تعالى: { مِنْ أَنبَاء ٱلْغَيْبِ } الذي لا يحوم حوله أحد خبره، وقوله سبحانه: { نُوحِيهِ إِلَيْكَ } خبر بعد خبر أو حال من الضمير في الخبر، وجوز أن يكون { ذٰلِكَ } اسماً موصولاً مبتدأ و { مِنْ أَنبَاء ٱلْغَيْبِ } صلته و { نُوحِيهِ إِلَيْكَ } خبره وهو مبني على مذهب مرجوح من جعل سائر أسماء الإشارة موصولات. { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ } يريد إخوة يوسف عليه السلام { إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ } وهو جعلهم إياه في غيابة الجب { وَهُمْ يَمْكُرُونَ } به ويبغون له الغوائل، والجملة قيل: كالدليل على كون ذلك من أنباء الغيب وموحى إليه عليه الصلاة والسلام، والمعنى أن هذا النبأ غيب لم تعرفه إلا بالوحي لأنك لم تحضر إخوة يوسف عليه السلام حين عزموا على ما هموا به من أن يجعلوه في غيابة الجب وهم يمكرون به، ومن المعلوم الذي لا يخفى على مكذبيك أنك ما لقيت أحداً سمع ذلك فتعلمته منه، وهذا من المذهب الكلامي على ما نص عليه غير واحد وإنما حذف الشق الأخير مع أن الدال على ما ذكر مجموع الأمرين لعلمه من آية أخرى كقوله تعالى: { { مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ } [هود: 49] وقال بعض المحققين: إن هذا تهكم بمن كذبه وذلك من حيث أنه تعالى جعل المشكوك فيه كونه عليه السلام حاضراً بين يدي أولاد يعقوب عليه السلام ماكرين فنفاه بقوله: { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ } وإنما الذي يمكن أن يرتاب فيه المرتاب قبل التعرف هو تلقيه من أصحاب هذه القصة، وكان ظاهر الكلام أن ينفي ذلك فلما جعل المشكوك ما لا ريب فيه لأن كونه عليه الصلاة والسلام لم يلق أحداً ولا سمع كان عندهم كفلق الفجر جاء التهكم البالغ وصار حاصل المعنى قد علمتم يا مكابرة أنه لم يكن مشاهداً لمن مضى من القرون الخالية وإنكاركم لما أخبر به يفضي إلى أن تكابروا بأنه قد شاهد من مضى منهم، وهذا كقوله تعالى: { { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إذ وَصَّـٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا } [الأنعام: 144] ومنه يظهر فائدة العدول عن أسلوب { { مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ } [هود: 49] إلى هذا الأسلوب وهو أبلغ مما ذكر أولاً، وذكر لترك ذلك نكتة أخرى أيضاً وهي أن المذكور مكرهم/ وما دبروه وهو مما أخفوه حتى لا يعلمه غيرهم فلا يمكن تعلمه من الغير ولا يخلو عن حسن، وأياً ما كان ففي الآية إيذان بأن ما ذكر من النبأ هو الحق المطابق للواقع وما ينقله أهل الكتاب ليس على ما هو عليه.