التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
٢٢
-يوسف

روح المعاني

{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ } أي بلغ زمان انتهاء اشتداد جسمه وقوته وهو سن الوقوف عن النمو المعتد به أعني ما بين الثلاثين والأربعين، وسئل (الفاضل النحوي مهذب الدين محمد بن علي بن علي بن أبـي طالب الخيمي) عنه، فقال: هو خمس وثلاثون سنة وتمامه أربعون. وقال الزجاج: هو سبعة عشر عاماً إلى نحو الأربعين، وعن مجاهد وقتادة ورواه ابن جبير عن ابن عباس أنه ثلاثة وثلاثون أو ثلاثون أو أحد وعشرون، وقال الضحاك: عشرون، وحكى ابن قتيبة أنه ثمان وثلاثون. وقال الحسن: أربعون، والمشهور أن الإنسان يقف جسمه عن النمو إذا بلغ ذلك، وإذا وقف الجسم وقفت القوى والشمائل والأخلاق ولذا قيل:

إذا المرء وفي الأربعين ولم يكن له دون ما يهوى حياء ولا ستر
فدعه ولا تنفس عليه الذي مضى وإن جر أسباب الحياة له العمر

وقيل: أقصى الأشد إثنان وستون، وإلى كون الأشد منتهى الشباب والقوة قبل أن يؤخذ في النقصان ذهب أبو عبيدة وغيره من ثقات اللغويين، واستظهره بعض المحققين، وهو عند سيبويه جمع واحده شدة ـ كنعمة وأنعم ـ وقال الكسائي والفراء: إنه جمع شدّ نحو صك وأصك وفلس وأفلس وهذا على ما ذكر أبو حاتم يوجب أن يكون مؤنثاً لأن كل جمع على أفعل مؤنث. وزعم أبو عبيدة أنه لا واحد له من لفظه عند العرب، وقال الفراء: أهل البصرة يزعمون أنه اسم واحد لكنه على بناء ندر في المفردات وقلما رأينا اسماً على أفعل إلا وهو جمع.

{ ءاتَيْنَـٰهُ حُكْماً } أي حكمة وهي في لسان العشر العلم النافع المؤيد بالعمل لأنه بدونه لا يعتدّ به، والعمل بخلاف العلم سفه، أو حكماً بين الناس { وَعِلْماً } يعني علم تأويل الرؤيا، وخص بالذكر لأنه غير داخل فيما قبله، أو أفرد بالذكر لأنه مما له شأن وليوسف عليه السلام به اختصاص تام كذا قيل، وفسر بعضهم الحكمة بالنبوة والعلم بالتفقه في الدين، وقيل: الحكمة حبس النفس عن هواها وصونها عما لا ينبغي والعلم هو العلم النظري، وقيل: أراد بالحكمة الحكم بين الناس. وبالعلم العلم بوجوه المصالح فإن الناس كانوا إذا تحاكموا إلى العزيز أمره بأن يحكم بينهم لما رأى من عقله وإصابته في الرأي. وعن ابن عباس أن الحكم النبوة. والعلم الشريعة وتنكيرهما للتفخيم أي حكماً وعلماً لا يكتنه كنههما ولا يقادر قدرهما.

وتعقب كون المراد بالعلم العلم بتأويل الأحاديث بأن قوله سبحانه: { وَكَذٰلِكَ } أي مثل ذلك الجزاء العجيب { نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ } أي كل من يحسن في عمله يأباه لأن ذلك لا يصلح أن يكون جزاءً لأعماله الحسنة التي من جملتها معاناة الأحزان والشدائد إلا أن يخص بعلم تأويل رؤيا الملك فإن ذلك / حيث كان عند تناهي أيام البلاء صح أن يعد إيتاءه من جملة الجزاء؛ وأما رؤيا صاحبـي السجن فقد لبث عليه السلام بعد تعبيرها في السجن بضع سنين، وفي تعليق الجزاء المذكور بالمحسنين إشعار بعلية الإحسان له وتنبيه على أنه تعالى إنما آتاه ما آتاه لكونه محسناً في أعماله متقناً في عنفوان أمره، ومن هنا قال الحسن: من أحسن عبادة الله سبحانه في شبيبته آتاه الله تعالى الحكمة في اكتهاله، واستشكل ما أفاده تعليق الحكم بالمشتق من العلية على تقدير أن يراد من الحكمة العلم المؤيد بالعمل مثلاً بأن إحسان العمل لا يكون إلا بعد العلم به فلو كان العلم المؤيد به مثلاً علة للإحسان بذلك لزم الدور. وأجيب بأن إحسان العمل يمكن أن يكون بطريق آخر كالتقليد والتوفيق الإلۤهي فيكون سبباً للعلم به عن دليل عقلي أو سمعي، أو المراد الأعمال الغير المتوقفة على السمع فيكون ذلك السبب للعلم بما شرع له من الأعمال. وقال بعض المحققين: الظاهر تغاير العلمين كما في الأثر "من عمل بما علم يسر الله تعالى له علم ما لم يعلم" ، وعن الضحاك تفسير (المحسنين) بالصابرين على النوائب.