التفاسير

< >
عرض

وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ آذَيْتُمُونَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ
١٢
-إبراهيم

روح المعاني

{ وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ } ومحل الخلاف في دخول المتكلم في عموم كلامه حيث لم يعلم دخوله فيه بالطريق الأولى أو تقم عليه قرينة كما هنا. واحتمال أن يراد بالمؤمنين أنفسهم و { مَا لَنَا } التفات لا التفات إليه، والجمع بين الواو والفاء تقدم الكلام فيه و { مَا } استفهامية للسؤال عن السبب والعذر و { أن } على تقدير حرف الجر أي أي عذر لنا في عدم التوكل عليه تعالى، والإظهار لإظهار النشاط بالتوكل عليه جل وعلا والاستلذاذ باسمه تعالى وتعليل التوكل { وَقَدْ هَدَانَـا } أي والحال أنه سبحانه قد فعل بنا ما يوجب ذلك ويستدعيه حيث هدانا { سُبُلَنَا } أي أرشد كلا منا سبيله ومنهاجه الذي شرع له وأوجب عليه سلوكه في الدين. وقرأ أبو عمرو { سُبُلَنَا } بسكون الباء، وحيث كانت أذية الكفار مما يوجب القلق والاضطراب القادح في/ التوكل قالوا على سبيل التوكيد القسمي مظهرين لكمال العزيمة.

{ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ آذَيْتُمُونَا } و { مَا } مصدرية أي إذائكم إيانا بالعناد واقتراح الآيات وغير ذلك مما لا خير فيه، وجوزوا أن تكون موصولة بمعنى الذي والعائد محذوف أي الذي آذيتموناه، وكان الأصل آذيتمونا به فهل حذف به أو الباء ووصل الفعل إلى الضمير؟ قولان.

{ وَعَلَى ٱللَّهِ } خاصة { فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكّلُونَ } أي فليثبت المتوكلون على ما أحدثوه من التوكل، والمراد بهم المؤمنون، والتعبير عنهم بذلك لسبق اتصافهم به، وغرض المرسلين من ذلك نحو غرضهم مما تقدم وربما يتجوز في المسند إليه. فالمعنى وعليه سبحانه فليتوكل مريدو التوكل لكن الأول أولى. وقرأ الحسن بكسر لام الأمر في { ليتوكل } وهو الأصل هذا، وذكر بعضهم أن من خواص هذه الآية دفع أذى البرغوث. فقد أخرج المستغفري في "الدعوات" عن أبـي ذر عن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا آذاك البرغوث فخذ قدحاً من ماء واقرأ عليه سبع مرات { وَمَا لَنَا أَن لا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ } الآية وتقول: إن كنتم مؤمنين فكفوا شركم وأذاكم عنا ثم ترشه حول فراشك فإنك تبيت آمنا من شرها" . وأخرج الديلمي في "مسند الفردوس" عن أبـي الدرداء مرفوعاً نحو ذلك إلا أنه ليس فيه «إن كنتم مؤمنين فكفوا شركم وأذاكم عنا» ولم أقف على صحة الخبر ولم أجرب ذلك إذ ليس للبرغوث ولع بـي والحمد لله تعالى، وأظن أن ذلك لملوحة الدم كما أخبرني به بعض الأطباء والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.