التفاسير

< >
عرض

وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ
١٤
-إبراهيم

روح المعاني

{ وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ } أي أرضهم وديارهم، فاللام للعهد وعند بعض عوض عن المضاف إليه { مّن بَعْدِهِمْ } أي من بعد إهلاكهم، وأقسم سبحانه وتعالى في مقابلة قسمهم، والظاهر أن ما أقسم عليه جل وعلا عقوبة لهم على قولهم: { { لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مّنْ أَرْضِنَا } [إبراهيم: 13] وفي ذلك دلالة على مزيد شناعة ما أتوا به حيث إنهم لما أرادوا إخراج المخاطبين من ديارهم جعل عقوبته إخراجهم من دار الدنيا وتوريث أولئك أرضهم وديارهم، وفي الحديث "من آذى جاره أورثه الله تعالى داره" وقرأ أبو حيوة { ليهلكن الظالمين } [إبراهيم: 13] { وليسكننكم الأرض } بياء الغيبة اعتباراً ـ لأوحى ـ كقولك: أقسم زيد ليخرجن.

{ ذٰلِكَ } اشارة إلى الموحى به وهو إهلاك الظالمين وإسكان المخاطبين ديارهم، وبذلك الاعتبار وحد اسم الإشارة مع أن المشار إليه إثنان فلا حاجة إلى جعله من قبيل { { عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ } [البقرة: 68] وإن صح أي ذلك الأمر محقق ثابت. { لِمَنْ خَافَ مَقَامِى } أي موقفي الذي يقف به العباد بين يدي للحساب يوم القيامة، وإلى هذا ذهب الزجاج فالمقام اسم مكان وإضافته إلى ضميره تعالى لكونه بين يديه سبحانه، وقال الفراء: هو مصدر ميمي أضيف إلى الفاعل أي خاف قيامي عليه بالحفظ لأعماله ومراقبتي إياه، وقيل: المراد إقامتي على العدل والصواب وعدم الميل عن ذلك. وقيل: لفظ مقام مقحم لأن الخوف من الله تعالى أي لمن خافني { وَخَافَ وَعِيدِ } أي وعيدي بالعذاب فياء المتكلم محذوف للاكتفاء بالكسرة عنها في غير الوقف. والوعيد على ظاهره ومتعلقه محذوف، وجوز أن يكون مصدراً من الوعد على وزن فعيل وهو بمعنى اسم المفعول أي عذابـي الموعود للكفار. وفيه استعارة الوعد للإيعاد، والمراد بمن خاف على ما أشير إليه في "الكشاف" المتقون، ووقوع ذلك إلى آخره بعد { وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ } موقع { وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } في قصة موسى عليه السلام حيث قال لقومه: { { ٱسْتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱلأَرْضَ للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [الأعراف: 128].