التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ
٤٢
-إبراهيم

روح المعاني

.

{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَـٰفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } خطاب لكل من توهم غفلته تعالى، وقيل: للنبـي صلى الله عليه وسلم كما هو المتبادر، والمراد من النهي تثبيته عليه الصلاة والسلام على ما هو عليه من عدم ظن أن الغفلة تصدر منه عز شأنه كقوله تعالى: { { وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً ءاخَرَ } [القصص: 88] { { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } [الأنعام: 14] أي دم على ذلك، وهو مجاز كقوله تعالى: { { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ } [النساء: 136] وفيه إيذان بكون ذلك الحسبان واجب الاحتراز عنه في الغاية حتى نهى عنه من لا يمكن تعاطيه، وجوز أن يكون المراد من ذلك على طريق الكناية أو المجاز بمرتبتين الوعيد والتهديد، والمعنى لا تحسبن الله تعالى يترك عقابهم للطفه وكرمه بل هو معاقبهم على القليل والكثير، وأن يكون ذلك استعارة تمثيلية أي لا تحسبنه تعالى يعاملهم معاملة الغافل عما يعملون ولكن معاملة الرقيب المحاسب على النقير والقطمير، وإلى هذه الأوجه أشار الزمخشري. وتعقب الوجه الأول بأنه غير مناسب لمقام النبوة لأنه عليه الصلاة والسلام لا يتوهم منه عدم الدوام على ما هو عليه من عدم الحسبان ليثبت، وفيه نظر. وفي «الكشف» الوجه هو الأول لأن في إطلاق الغافل عليه سبحانه وإن كان على المجاز ركة يصان كلام الله تعالى عنها، وفي الكناية النظر إلى المجموع فلم يجسر العاقل عليه تعالى عنه، ويجوز أن يكون الأول مجازاً في المرتبة الثانية بجعل عدم الغفلة مجازاً عن العلم، ثم جعله مجازاً عن الوعيد غير سديد لعدم منافاة إرادة الحقيقة.

والأسلم من القيل والقال ما ذكرناه أولاً من كون الخطاب لكل من توهم غفلته سبحانه وتعالى لغير معين، وهو الذي اختاره أبو حيان، وعن ابن عيينة أن هذا تسلية للمظلوم وتهديد للظالم فقيل له: من قال هذا؟ فغضب وقال: إنما قاله من علمه، وقد نقل ذلك في "الكشاف" فاستظهر صاحب "الكشف" كونه تأييداً لكون الخطاب لغير معين، وجوز أن يكون جارياً على الأوجه إذ على تقدير اختصاص الخطاب به عليه الصلاة والسلام أيضاً لا يخلو عن التسلية للطائفتين فتأمل، والمراد بالظالمين أهل مكة الذين عدت مساويهم فيما سبق/ أو جنس الظالمين وهم داخلون دخولاً أولياً، والآية على ما قال الطيبـي مردودة إلى قوله تعالى: { { قَلَ تَمَتَّعُواْ } [إبراهيم:30] و { { قلَ لّعِبَادِىَ } [إبراهيم: 31] واختار جعلها تسلية له عليه الصلاة والسلام وتهديداً للظالمين على سبيل العموم. وقرأ طلحة "ولا تحسب" بغير نون التوكيد.

{ إِنَّمَا يُؤَخّرُهُمْ } يمهلهم متمتعين بالحظوظ الدنيوية ولا يعجل عقوبتهم، وهو استئناف وقع تعليلاً للنهي السابق أي لا تحسبن الله تعالى غافلاً عن عقوبة أعمالهم لما ترى من التأخير إنما ذلك لأجل هذه الحكمة، وإيقاع التأخير عليهم مع أن المؤخر إنما هو عذابهم قيل: لتهويل الخطب وتفظيع الحال ببيان أنهم متوجهون إلى العذاب مرصدون لأمر ما لا أنهم باقون باختيارهم، وللدلالة على أن حقهم من العذاب هو الاستئصال بالمرة وأن لا يبقى منهم في الوجود عين ولا أثر، وللإيذان بأن المؤخر ليس من جملة العذاب وعنوانه، ولو قيل: إنما يؤخر عذابهم لما فهم ذلك. وقرأ السلمي والحسن والأعرج والمفضل عن عاصم ويونس بن حبيب عن أبـي عمرو وغيرهم { نؤخرهم } بنون العظمة وفيه التفات { لِيَوْمِ } هائل { تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَـٰرُ } أي ترتفع أبصار أهل الموقف فيدخل في زمرتهم الظالمون المعهودون دخولاً أولياً أي تبقى مفتوحة لا تطرف ـ كما قال الراغب ـ من هول ما يرونه، وفي «البحر» شخص البصر أحد النظر ولم يستقر مكانه، والظاهر أن اعتبار عدم الاستقرار لجعل الصيغة من شخص الرجل من بلده إذا خرج منها فإنه يلزمه عدم القرار فيها أو من شخص بفلان إذا ورد عليه ما يقلقه كما في "الأساس". وحمل بعضهم الألف واللام على العهد أي أبصارهم لأنه المناسب لما بعده والظاهر مما روي عن قتادة فقد أخرج عبد بن حميد وغيره عنه أنه قال في الآية: شخصت فيه والله أبصارهم فلا ترتد إليهم، واختار بعضهم حمل أل على العموم قال: لأنه أبلغ في التهويل، ولا يلزم عليه التكرير مع بعض الصفات الآتية، وسيأتي قريباً إن شاء الله تعالى ما قيل فيه.