التفاسير

< >
عرض

عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٩٣
-الحجر

روح المعاني

{ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } في الدنيا من قول وفعل وترك فيدخل فيه ما ذكر من الاقتسام والتعضية دخولاً أولياً أو لنجازينهم على ذلك، وعلى التقديرين لا منافاة بين هذه الآية وقوله تعالى: { { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْـئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ } [الرحمٰن: 39] لأن المراد هنا حسبما أشرنا إليه إثبات سؤال التقريع والتوبيخ أو المجازاة بناءاً على أن السؤال مجاز عنها وهناك نفى سؤال الاستفهام لأنه تعالى عالم بجميع أعمالهم؛ وروي هذا عن ابن عباس، وضعف هذا الإمام بأنه لا معنى لتخصيص نفي سؤال الاستفهام بيوم القيامة لأن ذلك السؤال محال عليه تعالى في كل وقت. وأجيب بأنه بناءاً على زعمهم/ كقوله تعالى: { { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا } [إبراهيم: 21] فإنه يظهر لهم في ذلك اليوم أنه سبحانه لا يخفى عليه شيء فلا يحتاج إلى الاستفهام، وقيل: المراد لا سؤال يومئذٍ منه تعالى ولا من غيره بخلاف الدنيا فإنه ربما سأل غيره فيها. ورد بأن قوله: لأنه سبحانه عالم بجميع أعمالهم يأباه.

واختار غير واحد في الجمع أن النفي بالنسبة إلى بعض المواقف والإثبات بالنسبة إلى بعض آخر، وسيأتي تمام الكلام في ذلك، واستظهر بعضهم عود الضمير في { لَنَسْـئَلَنَّهُمْ } إلى { { ٱلْمُقْتَسِمِينَ * ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْءانَ عِضِينَ } [الحجر: 90-91] للقرب، وجوز أن يعود على الجميع من مؤمن وكافر لتقدم ما يشعر بذلك من قوله سبحانه: { { وَقُلْ إِنّى أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ } [الحجر: 89] و { مَا } للعموم كما هو الظاهر، وأخرج ابن جرير وغيره وعن أبـي العالية أنه قال في الآية: يسأل العباد كلهم يوم القيامة عن خلتين عما كانوا يعبدون وعما أجابوا به المرسلين. وأخرج الترمذي وجماعة عن أنس عن النبـي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يسألون عن قول لا إله إلا الله" وأخرجه البخاري في "تاريخه" والترمذي من وجه آخر عن أنس موقوفاً، وروي أيضاً عن ابن عمر ومجاهد، والمعنى على ما في «البحر» يسألون عن الوفاء بلا إله إلا الله والتصديق لمقالها بالأعمال، والفاء قيل لترتيب الوعيد على أعمالهم التي ذكر بعضها، وقيل: لتعليل النهي والأمر فيما سبق، وزعم أنها الفاء الداخلة على خبر الموصول كما في قولك: الذي يأتيني فله درهم مبني على أن { ٱلَّذِينَ } [الحجر: 91] مبتدأ وقد علمت حال ذلك، وفي التعرض لوصف الربوبية مضافاً إلى ضميره عليه الصلاة والسلام ما لا يخفى من إظهار اللطف به صلى الله عليه وسلم.