التفاسير

< >
عرض

رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً
٦٥
-مريم

روح المعاني

قوله تعالى: { رَبّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا } بيان لاستحالة النسيان عليه تعالى فإن من بيده ملكوت السمٰوات والأرض وما بينهما كيف يتصور أن يحوم حول ساحة عظمته وجلاله الغفلة والنسيان أو ترك وقلاء من اختاره واصطفاه لتبليغ رسالته، و «رب» خبر مبتدأ محذوف أي هو رب السمٰوات الخ أو بدل من { رَبَّكَ } في قوله تعالى: { { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } [مريم: 64] والفاء في قوله سبحانه { فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ } لترتيب ما بعدها من موجب الأمرين على ما قبلها من كونه تعالى رب السمٰوات والأرض وما بينهما، وقيل: من كونه تعالى غير تارك له عليه الصلاة والسلام أو غير ناس لأعمال العاملين، والمعنى فحين عرفته تعالى بما ذكر من الربوبية الكاملة فاعبده الخ فإن إيجاب معرفته سبحانه كذلك لعبادته مما لا ريب فيه أو حين عرفت أنه عز وجل لا ينساك أو لا ينسى أعمال العاملين فأقبل على عبادته واصطبر على مشاقها ولا تحزن بإبطاء الوحي وكلام الكفرة فإنه سبحانه يراقبك ويراعيك ويلطف بك في الدنيا والآخرة.

وجوز أبو البقاء أن يكون { رَبّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ } مبتدأ والخبر { فَٱعْبُدْهُ } والفاء زائدة على رأي الأخفش وهو كما ترى. وجوز الزمخشري أن يكون قوله تعالى: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } [مريم: 64] من تتمة كلام المتقين على تقدير أن يكون { رَبّ } خبر مبتدأ محذوف ولم يجوز ذلك على تقدير الإبدال لأنه لا يظهر حينئذ ترتب قوله سبحانه: { فَٱعْبُدْهُ } الخ عليه لأنه من كلام الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في الدنيا بلا شك، وجعله جواب شرط محذوف على تقدير ولما عرفت أحوال أهل الجنة وأقوالهم فأقبل على العمل لا يلائم ـ كما في «الكشف» ـ فصاحة التنزيل للعدول عن السبب الظاهر إلى الخفي، وتعدية الاصطبار باللام مع أن المعروف تعديته بعلى كما في قوله تعالى: { { وَٱصْطَبِرْ عليها } } [طه: 132] لتضمنه / معنى الثبات للعبادة فيما تورد عليه من الشدائد والمشاق كقولك للمبارز: اصطبر لقرنك أي اثبت له فيما يورد عليك من شداته، وفيه إشارة إلى ما يكابد من المجاهدة وأن المستقيم من ثبت لذلك ولم يتزلزل وشمة من معنى «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر».

{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } أي مثلاً كما جاء في رواية جماعة عن ابن عباس ومجاهد وابن جبير وقتادة وأصله الشريك في الاسم، وإطلاقه على ذلك لأن الشركة في الاسم تقتضي المماثلة، وقال ابن عطية: السمي على هذا بمعنى المسامي والمضاهي، وأبقاه بعضهم على الأصل، واستظهر أن يراد هٰهنا الشريك في اسم خاص قد عبر عنه تعالى بذلك وهو رب السمٰوات والأرض، وقيل: المراد هو الشريك في الاسم الجليل فإن المشركين مع غلوهم في المكابرة لم يسموا الصنم بالجلالة أصلاً، وقيل: المراد هو الشريك فيما يختص به تعالى كالاسم الجليل والرحمن، ونقل ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أيضاً؛ وقيل: هو الشريك في اسم الإلٰه، والمراد بالتسمية التسمية على الحق وأما التسمية على الباطل فهي كلا تسمية، وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن ذلك قال: السمي الولد وأنشد له قول الشاعر:

أما السمى فأنت منه مكثر والمال مال يغتدي ويروح

وروي ذلك أيضاً عن الضحاك، وأياً ما كان فالمراد بإنكار العلم ونفيه إنكار المعلوم ونفيه على أبلغ وجه وآكده، والجملة تقرير لوجوب عبادته عز وجل وإن اختلف الاعتبار حسب اختلاف الأقوال فتدبر.

وقرأ الاخوان وهشام وعلي بن نصر وهٰرون كلاهما عن أبـي عمرو والحسن والأعمش وعيسى وابن محيصن { هتعلم } بإدغام اللام في التاء وهو على ما قال أبو عبيدة لغة كالإظهار وأنشدوا لذلك قول مزاحم العقيلي:

فذرذا ولكن هتعين متيما على ضوء برق آخر الليل ناصب