التفاسير

< >
عرض

يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ
٤٧
-البقرة

روح المعاني

{ يبَنِى إِسْرٰءيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } كرر التذكير للتأكيد والإيذان بكمال غفلتهم عن القيام بحقوق النعمة، وليربط ما بعده من الوعيد الشديد به لتتم الدعوة بالترغيب والترهيب، فكأنه قال سبحانه: إن لم تطيعوني لأجل سوابق نعمتي، فأطيعوني للخوف من لواحق عقابـي، ولتذكير التفضيل الذي هو أجل النعم، فإنه لذلك يستحق أن يتعلق به التذكير بخصوصه مع التنبيه على أجليته بتكرير النعمة التي هو فرد من أفرادها.

{ وَأَنّى فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ } عطف على { نِعْمَتِيَ } من عطف الخاص على العام، وهو مما انفردت به ـ الواو ـ كما في «البحر»، ويسمى هذا النحو من العطف ـ بالتجريد ـ كأنه جرد المعطوف من الجملة، وأفرد بالذكر اعتناءاً به، والكلام على حذف مضاف ـ أي فضلت آباءكم ـ وهم الذين كانوا قبل التغيير، أو باعتبار أن نعمة الآباء نعمة عليهم، قال الزجاج: والدليل على ذلك قوله تعالى: { وَإِذْ نَجَّيْنَـٰكُم } [البقرة: 49] الخ، والمخاطبون لم يروا فرعون ولا آله، ولكنه تعالى أذكرهم أنه لم يزل منعماً عليهم، والمراد بالعالمين سائر الموجودين في وقت التفضيل، وتفضيلهم بما منحهم من النعم المشار إليها بقوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَـٰقَوْمِ قَوْمٌ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } [المائدة: 20] فلا يلزم من الآية تفضيلهم على النبـي صلى الله عليه وسلم ولا على أمته، الذين هم خير أمة أخرجت للناس وكذا لا يصح الاستدلال بها على أفضلية البشر على الملائكة من جميع الوجوه ـ ولو صح ذلك ـ يلزم تفضيل عوامهم على خواص الملائكة، ولا قائل به.

ومن اللطائف أن الله سبحانه وتعالى أشهد بني إسرائيل فضل أنفسهم فقال: { وَأَنّى فَضَّلْتُكُمْ } الخ، وأشهد المسلمين فضل نفسه فقال: { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } [يونس: 58] فشتان من مشهوده فضل ربه، ومن مشهوده فضل نفسه فالأول: يقتضي الفناء والثاني: يقتضي الإعجاب، والحمد لله الذي فضلنا على كثير/ ممن خلق تفضيلاً.