التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُم مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ
٦٤
-البقرة

روح المعاني

{ ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مّن بَعْدِ ذٰلِكَ } أي أعرضتم عن الوفاء بالميثاق بعد أخذه وخالفتم، وأصل التولي الإعراض المحسوس ثم استعمل في الإعراض المعنوي كعدم القبول، ويفهم من الآية أنهم امتثلوا الأمر ثم تركوه.

{ فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مّنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } الفضل التوفيق للتوبة والرحمة قبولها، أو الفضل والرحمة بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإدراكهم لمدته، فالخطاب على الأول جار على سنن الخطابات السابقة مجازاً باعتبار الأسلاف وعلى الثاني جار على الحقيقة، والخسران ذهاب رأس المال أو نقصه، والمراد لكنتم مغبونين هالكين بالإنهماك في المعاصي، أو بالخبط في مهاوي الضلال عند الفترة، وكلمة ـ لولا ـ إما بسيطة أو مركبة من لو الامتناعية/ وتقدم الكلام عليها، وحرف النفي ـ والاسم الواقع بعدها عند سيبويه ـ مبتدأ خبره محذوف وجوباً لدلالة الحال عليه وسد الجواب مسده، والتقدير ـ ولولا فضل الله ورحمته ـ حاصلان، ولا يجوز أن يكون الجواب خبراً لكونه في الأغلب خالياً عن العائد إلى المبتدأ، وعند الكوفيين فاعل فعل محذوف أي لولا ثبت فضل الله تعالى الخ، و { لَكُنتُم } جواب ـ لولا ـ ويكثر دخول اللام على الجواب إذا كان موجباً، وقيل: إنه لازم إلا في الضرورة كقوله:

لولا الحياء ولولا الدين (عبتكما) ببعض ما فيكما إذ عبتما عورى

وجاء في كلامهم بعد اللام قد، كقوله:

لولا الأمير ولولا خوف طاعته (لقد) شربت وما أحلى من العسل

وقد جاء أيضاً حذف اللام وإبقاء قد نحو ـ لولا زيد قد أكرمتك ـ ولم يجيء في القرآن مثبتاً إلا باللام إلا فيما زعم بعضهم أن قوله تعالى: { وَهَمَّ بِهَا } [يوسف: 24] جواب { لَوْلاَ } قدم عليها.

هذا ومن باب الإشارة والتأويل في الآية: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَكُمْ } المأخوذ بدلائل العقل بتوحيد الأفعال ـ والصفات { وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ } طُور ـ الدماغ للتمكن من فهم المعاني وقبولها، أو أشار سبحانه ـ بالطور ـ إلى موسى القلب، وبرفعه إلى علوه واستيلائه في جو الإرشاد وقلنا { خُذُواْ } أي اقبلوا { مَا ءاتَيْنَـٰكُم } [البقرة: 63] من كتاب العقل الفرقاني بجد، وَعُوا ما فيه من الحكم والمعارف والعلوم والشرائع لكي تتقوا الشرك والجهل والفسق ثم أعرضتم باقبالكم إلى الجهة السفلية بعد ذلك فلولا حكمة الله تعالى بإمهاله وحكمه بإفضاله لعاجلتكم العقوبة ولحل بكم عظيم المصيبة.

إلى الله يدعى بالبراهين من أبـى فإن لم يجب نادته بيض الصوارم