التفاسير

< >
عرض

قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَآ أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٤٩
-القصص

روح المعاني

{ قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَـٰبٍ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا } أي مما أوتياه من القرآن والتوراة { أَتَّبِعْهُ } أي إن تأتوا به أتبعه فالفعل مجزوم بجواب الأمر ومثل هذا الشرط [مما] يأتي به من يدل بوضوح حجته لأن الإتيان بما هو أهدى من الكتابين أمر بين الاستحالة فيوسع دائرة الكلام للتبكيت والإلزام وإيراد كلمة { إِن } في قوله تعالى: { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أي في أنهما سحران مختلقان مع امتناع صدقهم نوع تهكم بهم، وقرأ زيد بن علي (أتبعه) بالرفع على الاستئناف أي أنا أتبعه. وقال الزمخشري: الحق الرسول المصدق بالكتاب المعجز مع سائر المعجزات يعني أن المقام مقام أن يقال فلما جاءهم أي الرسول أو فلما جاءهم الرسول لكن عدل عن ذلك لإفادة تلك المعاني وما أوتي موسى بما هو أعم من الكتاب المنزل جملة واحدة واليد والعصا وغيرهما من آياته عليه السلام، وتعقب بأنه لا تعلق للمعجزات من اليد ونحوها بالمقام وكذا لا تعلق لغير القرآن من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم به ويرشد إلى ذلك ظاهر قوله تعالى: { قُلْ فَأْتُواْ } الخ.

وجوز أن يكون ضميراً { { جَاءهُمُ } [القصص: 48] و { قَالُواْ } [القصص: 48] راجعين إلى أهل مكة الموجودين وضمير { { يَكْفُرُواْ } [القصص: 48] وكذا ضمير { قَالُواْ } في الموضعين راجع إلى جنس الكفرة المعلوم من السياق والمراد بهم الكفرة الذين كانوا في عهد موسى عليه السلام و { مِن قَبْلُ } [القصص: 48] متعلق بيكفروا لا بأوتي لعدم ظهور الفائدة والمراد بسحرين أو ساحران موسى وهٰرون عليهما السلام كما روي عن مجاهد، وإطلاق سحرين عليهما للمبالغة أو هو بتقدير ذوا سحرين، والمعنى أو لم يكفر أبناء جنسهم من قبلهم بما أوتي موسى عليه السلام كما كفروا هم بما أوتيته وقال أولئك الكفرة هما أي موسى وهٰرون سحران أو ساحران تظاهرا، وقيل: يجوز أن تكون الضمائر راجعة إلى الموجودين والكفر والقول المذكور لأولئك السابقين حقيقة وإسنادهما إلى الموجودين مجازي لما بين الطائفتين من الملابسة.

وقيل - بناء على ما روي عن الحسن من أنه كان للعرب أصل في أيام موسى عليه السلام - إن المعنى أو لم يكفر آباؤهم من قبل أن يرسل محمد صلى الله عليه وسلم بما أوتي موسى قالوا هما أي موسى وهٰرون سحران أو ساحران تظاهرا فهو على أسلوب { { وَإِذْ نَجَّيْنَـٰكُم مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ } [البقرة: 49] ونحوه ويفيد الكلام عليه أن قدمهم في الكفر من الرسوخ بمكان، ولهم في العناد عرق أصيل وكون العرب لهم أصل في أيام موسى عليه السلام مما لا شبهة فيه حتى قيل: إن فرعون كان عربياً من أولاد عاد لكن في حسن تخريج الآية على ذلك كلام، وأنت تعلم أن كل هذه الأوجه ليست مما ينشرح له الصدر وفيها من التكلف ما فيها.

وادعى أبو حيان ظهور رجوع ضمير { يَكْفُرُواْ } [القصص: 48] وكذا ضمير { { قَالُوا } [القصص: 48] إلى قريش الذين قالوا { لَوْلاۤ أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ } [القصص: 48] وأن نسبة ذلك إليهم لما أن تكذيبهم لمحمد صلى الله عليه وسلم تكذيب لموسى عليه السلام ونسبتهم السحر للرسول نسبتهم إياه لموسى وهٰرون عليهما السلام إذ الأنبياء عليهم السلام من / واد واحد فمن نسب إلى أحد منهم ما لا يليق كان ناسباً ذلك إلى جميعهم فلا يحتاج إلى توسيط حكاية الرهط في أمر النسبة، وعليه يجوز أن يراد بكل كل واحد من الأنبياء عليهم السلام، ولا يخفى أن ما ادعاه من ظهور رجوع الضمير إلى ما ذكر أمر مقبول عند منصفي ذوي العقول، لكن توجيه نسبة الكفر والقول المبين لكيفيته مما ذكر مما يبعد قبوله، وكأنه إنما احتاج إليه لعدم ثبوت حكاية الرهط عنده، وعن قتادة أنه فسر السحران بالقرآن والإنجيل؛ والساحران بمحمد وعيسى عليهما الصلاة والسلام وجعل ذلك القول قول أعداء الله تعالى اليهود، وتفسير الساحرين بذلك مروي عن الحسن، وروي عنه أيضاً أنه فسرهما بموسى وعيسى عليهما السلام والكل كما ترى، وتفسيرهما بمحمد وموسى عليهما الصلاة والسلام مما رواه البخاري في «تاريخه» وجماعة عن ابن عباس. وأخرج ابن أبـي حاتم عن عاصم الجحدري أنه كان يقرأ (سحران) ويقول هما كتابان الفرقان والتوراة ألا تراه سبحانه يقول: { فَأْتُواْ بِكِتَـٰبٍ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا }.