التفاسير

< >
عرض

فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
٥٠
-القصص

روح المعاني

{ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ } أي فإن لم يفعلوا ما كلفتهم به من الإتيان بكتاب أهدى منهما، وإنما عبر عنه بالاستجابة إيذاناً بأنه عليه الصلاة والسلام على كمال أمن من أمره، كان أمره صلى الله عليه وسلم لهم بالإتيان بما ذكر دعاء لهم إلى أمر يريد وقوعه. وقيل: المراد فإن لم يستجيبوا دعاءك إياهم إلى الإيمان بعد ما وضح لهم من المعجزات التي تضمنها كتابك الذي جاءهم فالاستجابة على ظاهرها لأن الإيمان أمر يريد صلى الله عليه وسلم حقيقة وقوعه منهم وهي كما في «البحر» بمعنى الإجابة وتتعدى إلى الداعي باللام كما في هذه الآية، وقوله تعالى: { { فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ } [يوسف: 34]، وقوله سبحانه: { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ } [الأنبياء: 76] وبنفسها كما في بيت «الكتاب»:

وداع دعا يا من يجيب إلى الندا فلم يستجبه عند ذاك مجيب

وقال الزمخشري: هذا الفعل يتعدى إلى الدعاء بنفسه وإلى الداعي باللام ويحذف الدعاء إذا عدي إلى الداعي في الغالب فيقال: استجاب الله تعالى دعاءه أو استجاب له ولا يكاد يقال: استجاب له دعاءه، وقوله في البيت (فلم يستجبه) على حذف مضاف أي فلم يستجب دعاءه انتهى، ولو جعل ضمير (يستجبه) للدعاء المفهوم من داع لم يحتج إلى تقدير، وجعل المفعول هنا محذوفاً لذكر الداعي، ووجهه على ما قيل: أنه مع ذكر الداعي والاستجابة يتعين أن المفعول الدعاء فيصير ذكره عبثاً، وجوز كون الحذف للعلم به من فعله لا لأنه ذكر الداعي، وهذا حكم الاستجابة دون الإجابة لقوله تعالى: { أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ } [الأحقاف: 31].

{ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ } الزائغة من غير أن يكون لهم متمسك ما أصلا إذا لو كان لهم ذلك لأتوا به { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ } استفهام إنكاري للنفي أي لا أضل ممن اتبع هواه { بِغَيْرِ هُدًى مّنَ ٱللَّهِ } أي هو أضل من كل ضال وإن كان ظاهر السبك لنفي الأضل لا لنفي المساوي كما مر في نظائره مراراً، وقوله تعالى: { بِغَيْرِ هُدًى } في موضع الحال من فاعل { اتبع }، وتقييد الاتباع بذلك لزيادة التقرير والإشباع في التشنيع والتضليل وإلا فمقارنته لهدايته تعالى بينة الاستحالة، وقيل: للاحتراز عما يكون فيه هدى منه تعالى فإن الإنسان قد يتبع هواه ويوافق الحق، وفيه بحث.

{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } الذين ظلموا أنفسهم فانهمكوا في اتباع الهوى والإعراض / عن الآيات الهادية إلى الحق المبين.