التفاسير

< >
عرض

وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ
٧٧
-القصص

روح المعاني

{ وَٱبْتَغِ فِيمَا ءاتَاكَ ٱللَّهُ } من الكنوز والغنى { ٱلدَّارُ ٱلأَخِرَةُ } أي ثوابها أي ثواب الله تعالى فيها بصرف ذلك إلى ما يكون وسيلة إليه و { فِى } إما ظرفية على معنى ابتغ متقلباً ومتصرفاً فيه أو سببية على معنى ابتغ بصرف ما آتاك الله تعالى ذلك وقرىء { اتَّبِعُ } { وَلاَ تَنسَ } أي ولا تترك ترك المنسي { نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا } أي حظك منها وهو كما أخرج الفريابـي وابن أبـي حاتم عن ابن عباس أن تعمل فيها لآخرتك، وروي ذلك عن مجاهد. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة هو أن تأخذ من الدنيا ما أحل الله تعالى لك، وأخرج عبد الله بن أحمد في «زوائد الزهد» عن منصور قال: ليس هو عرض من عرض الدنيا ولكن نصيبك عمرك أن تقدم فيه لآخرتك، وأخرج ابن المنذر وجماعة عن الحسن أنه قال في الآية: قدم الفضل وأمسك ما يبلغك، وقال مالك: هو الأكل والشرب بلا سرف، وقيل: أرادوا بنصيبه من الدنيا الكفن كما قال الشاعر:

نصيبك مما تجعل الدهر كله رداءان تلوى فيهما وحنوط

وفي نهيهم إياه عن نسيان ذلك حض عظيم له على التزود من ماله للآخرة فإن من يكون نصيبه من دنياه وجميع ما يملكه الكفن لا ينبغي له ترك التزوّد من ماله وتقديم ما ينفعه في آخرته { وَأَحْسِن } عباد الله عز وجل { كَمَا أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } أي مثل إحسانه تعالى إليك فيما أنعم به عليك، والتشبيه في مطلق الإحسان أو لأجل إحسانه سبحانه إليك على أن الكاف للتعليل. وقيل: المعنى وأحسن بالشكر والطاعة كما أحسن الله تعالى عليك بالإنعام، والكاف عليه أيضاً تحتمل التشبيه والتعليل { وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادِ فِى ٱلأَرْضِ } نهى عن الاستمرار على ما هو عليه من الظلم والبغي. { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } الكلام فيه كالكلام في قوله سبحانه: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } [القصص: 76] وهذه الموعظة بأسرها كانت من مؤمني قومه كما هو ظاهر الآية، وقيل: إنها كانت من موسى عليه السلام.