التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٤٢
-العنكبوت

روح المعاني

{ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَىْء } على إضمار القول أي قل للكفرة إن الله الخ، وقيل: لا حاجة إلى إضماره لجواز أن يكون { تَدْعُونَ } من باب الالتفات للإيذان بالغضب، وفيه بحث. وقرأ أبو عمرو وسلام { يَعْلَمُ مَا } بالإدغام، وأبو عمرو وعاصم بخلاف { يَدَّعُونَ } بياء الغيبة حملاً على ما قبله، و { مَا } استفهامية منصوبة بتدعون و { يَعْلَمْ } معلقة عنها فالجملة في موضع نصب بها و { مِنْ } الأولى متعلقة بتدعون على ما هو الظاهر و { مِنْ } الثانية للتبيين، وجوز كونها للتبعيض، ويجوز كون (ما) نافية و(من) الثانية مزيدة و(شيء) مفعول (تدعون)، أي لستم تدعون من دونه تعالى شيئاً، كأن ما يدعونه من دونه عز وجل لمزيد حقارته لا يصلح أن يسمى شيئاً، وجوز كونها مصدرية وهي وما بعدها في تأويل مصدر مفعول { يعلم } على أنها بمعنى يعرف ناصبة لمفعول واحد و(من) تبعيضية، أي يعرف دعاءكم وعبادتكم بعض شيء من دونه وقيل: { مِنْ } للتبيين و { شَىْء } بمعنى ذلك المصدر وتنوينه للتحقير، أي يعرف دعوتكم من دونه هي دعوة حقيرة، وجوز كونها موصولة مفعول يعلم بمعنى يعرف ومفعول { تدعون } عائدها المحذوف و(من) إما بيان للموصول أو تبعيضية. وجوز زيادتها على هذا الوجه وما بعده، ولا يخفى ما فيه، والكلام على الوجهين الأولين في { مَا } تجهيل للكفرة المتخذين من دون الله تعالى أولياء لما فيهما من نفي الشيئية عما اتخذوه ولياً؛ والاستفهام عنه الذي هو في معنى النفي لأنه إنكار، وفيه توكيد للمثل لأن كون معبودهم ليس بشيء يعبأ به مناسب ولذا لم يعطف، وعلى الوجهين الأخيرين فيها وعيد لهم لأن العلم بدعوتهم وعبادتهم عبارة عن مجازاتهم عليها وكذا العلم بما يدعونه عبارة عن مجازاتهم على دعائهم إياه، وترك العطف فيه لأنه استئناف، ويجوز أرادة التجهيل والوعيد في الوجوه كلها.

وقوله تعالى: { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } في موضع الحال ويفهم منه التعليل على المعنيين، فإن من فرط الغباوة اشراك ما لا يعد شيئاً بمن هذا شأنه، وإن الجماد بالإضافة إلى القادر القاهر على كل شيء البالغ في العلم وإتقان الفعل الغاية القاصية كالمعدوم البحت، وإن من هذا صفته قادر على مجازاتهم.