التفاسير

< >
عرض

إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١٦٠
-آل عمران

روح المعاني

{ إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ } جملة مستأنفة سيقت بطريق تلوين الخطاب تشريفاً للمؤمنين لإيجاب التوكل عليه والترغيب في طاعته التي يستحق بها النصرة والتحذير عن معصيته التي يستحق بها الخذلان أي إن يرد نصركم كما أراده يوم بدر فلا أحد يغلبكم على طريق نفي الجنس المنتظم بجميع أفراد الغالب ذاتاً وصفة فهو أبلغ من لا يغلبكم أحد لدلالته على نفي الصفة فقط. ثم المفهوم من ظاهر النظم الكريم ـ كما قال شيخ الإسلام ـ وإن كان نفي مغلوبيتهم من غير تعرض لنفي المساواة أيضاً وهو الذي يقتضيه المقام لكن المفهوم منه فهماً قطعياً هو نفي المساواة وإثبات الغالبية للمخاطبين، فإذا قلت: لا أكرم من فلان ولا أفضل منه فالمفهوم منه حتماً أنه أكرم من كل كريم وأفضل من كل فاضل وهذا أمر مطرد في جميع اللغات ولا اختصاص [له] بالنفي الصريح بل هو مطرد فيما ورد على طريق الاستفهام الإنكاري كما في قوله تعالى: { { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا } [الأنعام: 144] في مواقع كثيرة من التنزيل وقد أشرنا إلى هذا المبحث فيما تقدم.

{ وَإِن يَخْذُلْكُمْ } أي وإن يرد خذلانكم ويمنعكم معونته كما فعل يوم أحد. وقرىء { يَخْذُلْكُمْ } من أخذله إذا جعله مخذولاً { فَمَن ذَا ٱلَّذِى يَنصُرُكُم } استفهام إنكاري مفيد لانتفاء الناصر على نحو انتفاء الغالب، وقيل: وجاء جواب الشرط في الأول صريح النفي ولم يجىء في الثاني كذلك تلطفاً بالمؤمنين حيث صرح لهم بعدم الغلبة ولم يصرح بأنه لا ناصر لهم وإن كان الكلام مفيداً له { مِن بَعْدِهِ } أي من بعد خذلانه أو من بعد الله تعالى على معنى إذا جاوزتموه فعلى الأول: ـ بعد ـ ظرف زمان وهو الأصل فيها، وعلى الثاني: مستعار للمكان.

{ وَعَلَى ٱللَّهِ } لا على غيره كما يؤذن بذلك تقديم المعمول. { فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } المراد بهم إما جنس المؤمنين والمخاطبون داخلون فيه دخولاً أولياً، وإما المخاطبون خاصة بطريق الالتفات وعلى التقديرين لا يخفى ما في ذلك من تشريف المخاطبين مع الإيماء إلى تعليل تحتم التوكل عليه تعالى، والفاء كما قالوا: لترتيب ما بعدها أو الأمر به على ما مرّ من غلبة المؤمنين ومغلوبيتهم على تقدير نصر الله تعالى لهم وخذلانه إياهم فإن العلم بذلك مما يستدعي قصر التوكل عليه سبحانه لا محالة.